عبد الحي الرايس
بعد أن اسْتُبِيحَتِ
الفضاءاتُ طويلاً واستبدَّ اليأسُ بالناس، بين مُسْتسْلِمٍ ورَاجٍ ومُؤَمِّلٍ وواثقٍ
من أن جوهرةَ الماس مهما غمستَها في الطين ستصْفُو، وأن الترييف مهما طال سينجلي عن
فاس
ولو نبشْتَ ذاكرةَ
أمِّ المدائن لَرَوَتْ حكايا مواقعَ عمَّها الترييفُ والاكتساح،ردحاً من الزمان، ثم
آلتْ إلى تحريرٍ وجلاء.
ويسألُ السائلُ الغيورُ
على فاس، وفي الآن ذاته المُشْفِقُ على فئةٍ عريضةٍ كانتْ تُعيلُ صغارَها من عائداتِ
بيْعِ البضائع على أرصفةِ الشوارع، فتحضرني تجربةُ مسؤولٍ مُتمَيِّز أقبل ـ عند مطلع
الألفية الثالثة ـ على مُنتخبي الجماعة مُبَشِّراً بأنه جاء يحملُ معه حلاًّ يتمثل
في اعتمادٍ هامّ سيُمَكِّنُ من بناءِ سوقيْن بساحتيْن، مما يكفلُ إنهاءَ ظاهرة البيع
بالتَّجوال أو افتراش الشوارع، سايَرَهُ الكثيرون، وانْبرى البعضُ قائلين: " لو
اعتمدنا هذا الحل، لظهرتْ مجموعةٌ أخرى، ولصار علينا أن نبني ساحاتٍ أخرى، وعندها ستنْفَدُ
الساحات، وتتشوَّهُ المدينة، دون أن ينتهيَ التزايدُ من أعداد العاطلين والباعة الجائلين"
كان المسؤولُ حكيماً،
استوعب خطابَ الْقِلَّة، ولم يُراهن على تجاوب الكثرة، فتراجع عن اقتراحه، وانصرف لحاله.
ثم تبلورَ البديلُ
في عربةٍ بمستوياتٍ للعرض والتخزين والبقايا تحُلُّ محلَّ البناء، في فضاءاتٍ مُبرمَجة،
ومواقيتَ مُحدَّدة.
فاس وغيرُها من المدائن
مَدعُوَّةٌ للحفاظ على السِّمَةِ الحضارية، والأخْذِ بمعايير التمدُّن، وأيُّ ظاهرةٍ
تتنافى مع ذلك ينبغي وأدُها في مهدها، بحزم، بعيداً عن الإهانة والإذاية.
ويبقى على السكان
كلٌّ في حيِّهِ أو إقامته أو بيته أن يتنافسوا في إضفاء البهاء، وصيانة المجال، وحُسْن
التخلص من البقايا، وتعميم الإِزْهارِ والاخضرار، وعلى المسؤولين في مواقع القرار أن
يُلْزِموا أصحابَ المحلات بالوقوف عند حدود البنايات، وأن يُثَبِّتُوا التحريرَ والتصحيح،
ويُشجعوا على الاستثمار، ويُعدِّدوا مشاريعَ النماء، الْمُسْهِمَة في تأهيلِ وتشغيلِ
وتكْريمِ الإنسان.