adsense

/www.alqalamlhor.com

2019/07/24 - 2:23 م

بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي
 كيف ينظر القائمون على الشأن الرياضي وقطاع الشباب إلى الرياضة؟ ألا يمكن ربط تفشي الجريمة وارتفاع وتيرتها، كما وكيفا، بغياب سياسات واضحة المعالم والأهداف، يكون الهدف من الرياضة فيها، مهما كان نوعها، الرقي بوعي الفرد وغرس فيه قيم التعايش واحترام الآخر وسلوك المواطنة واحترام الواجب؟ لماذا ينشغل المشرفون على القطاع الرياضي، بجهل تارة وبشعبوية تارة أخرى، بالنتائج الآنية العابرة، ويغفلون من ثمة المقصد الحقيقي من الرياضة؟
 أشار صحافي مغربي في مقال قيم له بجريدة وطنية ورقية إلى حوار أجري مع أحد المسؤولين عن مركز للتكوين في كرة القدم باليابان، له فروع عديدة على مدى التراب الياباني. كشف هذا المسؤول في حديثه أن عدد منخرطي المركز يتجاوز المائة ألف. ولما سئل عن الحصيلة، أبرز أن معدل عدد من يصبح لاعبا محترفا هو ست لاعبين في السنة. استغرب محاوره وبادر إلى القول: "ست لاعبين فقط، وماذا عن الباقي؟ ما مصير الآخرين؟".
 أجاب، بكل ثقة وفخر، بأن الآخرين، يتعلمون بمراكز التكوين، من العاشرة إلى العشرين من العمر، مبادئ العيش الجماعي من إيثار وتسامح وتعاون والتربية على المواطنة واحترام الواجب والإخلاص في العمل  وغرس قيم السلوك المدني. هكذا يتحقق المقصد الحقيقي للرياضة والمتمثل في المساهمة في تكوين المواطن الصالح.
 علاقة بهذا الدرس الياباني، أشير إلى مبادرة قيمة عرفتها مدينة تطوان مؤخرا، المطلوب من فرقنا، وخاصة ذات القاعدة الجماهيرية العريضة أن تستلهمها وتهتدي بها، مبادرة اتخذت كشعار لها: "الليغا تربي". فانطلاقا من شغف المغاربة وخاصة أقاليم الشمال بالبطولة الإسبانية، وبتعاون بين جمعيتين إسبانية وتطوانية، تم انتقاء "300" طفل، منحدرين من أحياء فقيرة أخضعوا لبرنامج تكويني يروم الرقي بالوعي الفردي والجماعي وبالسلوك القيمي والمدني لهؤلاء الأطفال.
  كان مما صرحت به فاعلة اجتماعية بالجمعية الإسبانية أنه " لا شيء يدمر أكثر من الفراغ". الطفل سواء كان ممدرسا أو منقطعا، حين يصطدم بالفراغ والتهميش وبعدم وجود فضاءات يمكن يمارس فيها هوايات يملأ بها وقته الضائع، فمن المحتمل جدا أن يصبح مرشحا للوقوع في الإجرام والتشرد وإلحاق الضرر بذاته وبغيره.
 لنتأمل هذا الكلام العميق والمهم، المنقول عن جريدة وطنية والصادر عن أحد المشرفين الأساسيين عن هذه المبادرة: " إن أفضل مرحلة للعلاج هي حين يكون الأطفال في المدرسة، إذ وحدها التربية قادرة على إنقاذهم مما هم عليه.... بإمكاننا منحهم احترام الذات والقدرة على الصمود وآليات تسمح بأن يغيروا أنفسهم بأنفسهم على المدى المتوسط". مرحلة الطفولة إذن، تعتبر حاسمة في إكساب الطفل المبادئ والقيم التي تؤهله إلى حسن التعامل مع ذاته ومع غيره ومحيطه.
 عند بداية هذا البرنامج التكويني، طلب من الأطفال المشاركين فيه الإجابة عن السؤال: " ما ذا تريد أن تقوم به حين تكبر"، فكادت ردودهم كلها تدور حول فكرة واحدة: شراء قارب مطاطي والهجرة إلى الضفة الأخرى. لكن بعد أن تلقوا تكوينا أوليا في اللغة الإسبانية وبعد أن استفادوا من خرجات ميدانية تستهدف المحافظة على المحيط البيئي و...، لوحظ تحسن في مستواهم وفي أشكال التعايش بينهم. وكانت النتيجة أن الفكرة التي يحلمون بها تغيرت، فأصبح الجواب الغالب هو: البحث عن شغل وتكوين أسرة...
" الطبيعة تغشى الفراغ" و" لا شيء يدمر أكثر من الفراغ". لا بد، لترميم الاختلالات التي يعرفها مجتمعنا، والتي لا تزداد إلا استفحالا ينذر بأوخم العواقب، من الإسراع بوضع وتفعيل نموذج تنموي جديد. نموذج، وفي ارتباط بموضوعنا اليوم، تصبح فيه الرياضة غاية لا وسيلة. نموذج يستلهم تجارب العديد من الدول، بعضها مستواها أقل من مستوانا، تعتمد التوقيت المستمر في الزمن الدراسي وتترك في المساء مساحات من الزمن، تتيح للمتمدرسين مزاولة أنشطة موازية ومنها الرياضية. كل ذلك في إطار إعادة الاعتبار للرياضة المدرسية التي كانت تشكل قبل عقود، المشتل الحقيقي لاستنبات الطاقات وتغذية الفرق الوطنية بالمواهب.
  قد يقول قائل: "كلام مقنع، غير أن تنفيذه يستلزم ميزانيات ضخمة لا طاقة للدولة بها". هذا القول يمـــكن
الرد عليه من خلال التذكير بحجم الأموال المرصودة لكرة القدم والميزانيات الضخمة التي تتعدى الثمانين مليارا، قدر كبير منها صرف على المنتخب وبسخاء وبدون غلة تذكر. أما كان أن تصرف على تأهيل الفرق الوطنية، التي لم تأخذ لحد الساعة من الاحتراف سوى الإسم، سواء من حيث البنيات التحتية ولا من حيث دعمها بالموارد البشرية؟. ألا يمكنها بذلك من أن تساهم في استقطاب أطفالنا وفي الوقت المناسب وقبل فوات الأوان، وبالتالي إنقادهم من جحيم الفراغ القاتل وفخاخ الشارع المدمرة.
 لو تحقق ذلك، لو تم التعامل مع الرياضة كوسيلة تساهم في تكوين الإنسان وليس كغاية لتحقيق انتصارات آنية عابرة تدر الرماد على العيون وتخفي الوضع الحقيقي المزري للقطاع ببلادنا، سيصبح حينئذ، لفرقنا نوادي حقيقية تليق بسمعتها وسمعة الرياضة الوطنية، وسيصير بإمكاني، وبكل فخر واعتزاز، أن أصحب معي صديقي الهولاندي إلى زيارة مقر ناديَ المفضل.