بقلم: عبد الحي
الرايس
تتبدَّى وتتريَّف،
حَسِبُوها بالأخضرِ الزاهي، والأحمرِ القاني تتحلَّى وتتزيَّن، فإذا بها تفقِدُ هُوِيَّتَها
وتتدَمَّر.
واستباحوا شوارعَها
وفضاءاتِها فإذا بها بالاكتساح والفوضى تتأثَّث، نافسَتْ أبواقُ الباعةِ مآذنَها، فما
عاد للآذان بها صوتٌ يُسْمَع، ولا لمساجدها حُرْمَةٌ تُذكَر.
أسواقُ البادية
تُعْقَدُ في فضاءٍ محدود، ويومٍ معلوم، مرةً كل أسبوع، والأسواقُ بها تتنقلُ بين الفضاءات،
ولا تعترفُ بحُرمة مواقع، ولا تنضبطُ لأوقات.
وصار الشعار بها
:
إذا كنتَ في الفضاء
العمومي فتصرفْ كما يحْلُو لك: لَوِّنْ بما شئت، واصْنعْ ماشئت، واسْط ُعلى ما شئت،
وبِعْ ماشئت، وسَمِّ بما تشاء، وارفعْ صوتك كما تشاء، فلن ينهاك رقيب، ولن يَرْدَعَكَ
قرار.
ومن أسَفٍ أن لها
لوناً يُميزُها هو الأبيضُ العاجي الصادرُ به قرارٌ مِن مجلسها الجماعي، وما أيْسَرَ
أن يُلْزَمَ به كلُّ من أقام البنيان، أو هَمَّ بتجديدِه واحتار بين الألوان، فإذا
ضلَّ أو احتار، كان له بالمرصاد، من يُنبِّهُه ويُرْجِعُه إلى الصَّواب.
ومن عَجَبٍ أن
للمدينة شقيقاتٍ عُرِفتِ الواحدةُ بالمدينة الحمراء، ووُصفتِ الأخرى بالحمامةِ البيضاء،
فاحْتُرِم َاللونُ وحُفِظ العهدُ ولم يتطاولْ عليها مُتسيِّبٌ ولم تخدِشْ صورتَها فوْضَى
ألوان.
لا تسألوني عن
اسْمِها فقد عُرِفَ بها القُطرُ في الأمصار، وازدهى بها التاريخُ في التراث، وحل بها
البادي فتمدَّنَ وتحضَّر، وقصدَها الْمُريدُ فتعلَّمَ وتثقَّف.
فهي الصامدةُ الأبية،
الْمُعتدَّةُ برصيدها، المزهوةُ بصفاءِ معدنها، المستخفةُ بما يَحِيقُ بها، الواثقةُ
من أن الْغُثاءَ سيذهبُ جُفاءً، وأن ما يضمنُ التجدُّدَ والاستدامةَ سيُعيدُ الاعتبارَ،
ويتحقَّقُ على أرض الواقع في الميدان.