بقلم
الأستاذ حميد طولست
يحرص
الكثيــر منا على غذاء الجسد ويهتم به غايـــة الاهتمام ، ويسعى لتحصيل ألوان الأطعمة
لتقويته ، ويتفنن في تنويع أصنافها لتسمينه ، يطهوها الطهو المتنوع الطعوم ولذيذ النكهات،
لتروق ذوقه وتشبغ حاجته ، لكنه قلما يهتم بغذاء روحه ، وكأنه جسد بلا روح ، ولن أبالغ إذا قلت أن غذاءها بالتطهير والتربية والتهذيب، وتنقية القلب و الضمير
، وتقوية كل معاني الرجولة والإنسانية ، هو أهم من غذاء الجسد في أكثر الاحيان ، وإن
كانت تغذيته ضرورية لاستمرار الحياة فيه ؛ فلماذا ياترى نهتم بتغدية أجسادنا ونغفل
الروح والعقل؟ سؤال أو تساؤل قديم كثير التداول
الذي لا يشكل نقدا أو عتابا ، بقدر ما هو تحفيز للعقل الجمعي للمساهمة في تحسين المسار
البشري ، وإضفاء اللمسات الإنسانية على تطوره الذي لا يمكن أن يحدث مع أجساد بلا روح
ولا ضمير ؟ منطقيا لا أرى ذلك ممكنا ولا يصح مع ذوي العقول النيرة المدبرة ، التي لا
تتمسك بزيف زهو الخطأ ، وتتراجع عنه إن وقعت فيه، وعمليًا، يمكن أن يحدث ذلك على أرض
الواقع ، ويعيش الإنسان بجسد لا روح فيه ،
إذا كان من الذين يعلّمون أولادهم قول الحق، وعندما يجدون أن ذات الحق مضر بمصالحهم
، يتراجعون عنه وينصحون بالسكوت عنه ، ويسموم نصرفهم ذاك ، حكمة ونباهة ، مع علمهم القاطع أن الساكت
عن الحق شيطان أخرص، كما يمكن أن يحدث نفس الأمر الذي مع الذين يحثون أطفالهم على الصدق
، ويأتون غيره في تصرفاتهم اليومية ، كالذين يتلقون مكالمة هاتفية من شخص لا يرغبون
فى التحدث إليه ، يأمرون أبناءهم بإبلاغ المتصل بعدم وجودهم، وهم يعلمون علم اليقين
أن الكذب مفتاح كل الشرور والموبقات، وأن الكذابين ملعونون عند الله بدليل قوله تعالى:
"إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون 105 النحل، وقوله تعالى "فنجعل لعنة الله على الكاذبين
65 آل عمران ، ولا شك أن الإنسان يمكن أن يعيش في جسد بلا روح ولا ضمير ، إذا كان ممن
يحاكمون الناس على الخطيئة ، ويلومونهم على التقصير فى أداء الواجب ، وطنيا كان أو
دينيا، وإذا انفردوا بأنفسهم ، إرتكبوا ما حاكموا غيرهم عليه ، وتلذذوا بما لاموهم
به ، دون أن يشعروا بتبكيت ضمير أو وخزه ، وكانوا في ذلك كالذين يأكلون مع الذئب ويبكون
مع الراعي ..
فهل
هناك أيّ أمل في تغيير سلوكات مثل هذه النوعية من البشر ؟ شخصيًّا، أعتقد أن ذلك ممكنا
، لأنه ﻻ يوجد إنسان كامل ، كما يقال ، لكن أجمل ما في الناس قابليتهم للتغير ، وسعهم
الدائم ليكونوا أفضل في الغد مما هم عليه اليوم وما كانوا عليه بالأمس ، لأنهم ، رغم
بساطتهم ، يمتلكون أرواحاً نادرة جداً ، تتعلم من مشاق الحياة وما يقابهم من صعوباتها
ومنعطفاتها ، التي كلما زادت ضرباتها وإحباطاتها ، كلما إزدادوا طموحاً وأملاً ، وكلما
أوشكت أحلامهم أن تجف تدفقت أحلام جديدة غيرها في شرايينهم ، وكلما قلت القيم الحميدة
من حولهم ، تفتقت القيم الشخصية التي ينعمون بمحتوياتها العالية الراقية المستبطنة
في دواخلهم والتي تنتظر المحفز على ظهورها..