بقلم عبدالحي الرايس
ليسوا دائماً فلاسفة مُنَظِّرِين، ولا شعراءَ حالمين، ولا
يُشترَطُ فيهم أن يكونوا أثرياءَ مُوسِرين، ولكنهم دوْماً من فئة المجددين الْمُبْدعين.
لا يهدأُ لهم بال ، ولا يُغمَضُ لهم جَفْنٌ إلا مع تجاوز
الذات، والتغيير نحو الأحسن
لا يستكينون إلى واقع لا يرضونه وكأنه قدَرٌ لا مفرَّ منه،
وإنما يرسمون له صورةً في رُؤَاهُم ويَجِدُّونَ ليجعلوا منها حقيقةً في واقعهم.
تقفُ على ذلك عند أُسَرٍ بسيطةٍ تَشِعُّ بيوتُهَا نظافةً
وبهاء ، وتُنَشِّئُ أبناءَها على أخلاقٍ نبيلةٍ وعاداتٍ حميدة.
وتجدُهُ لدى تنظيماتٍ مُجْتمعيةٍ تنشر قيَمَ التطوع والتعاون،
وتؤسِّسُ لبدائلَ تُصْلِحُ المجال، وتسمو بالإنسان ، تُحِيلُ الأزقةَ والفضاءاتِ الْمُهمَلَة
إلى مراتعَ وأزهارٍ معلَّقة.
كما تلقاهُ عند مؤسساتٍ تعليمية، وجماعات محلية ترفع السقف
عالياً لتحسين إطار الحياة وتأهيل الإنسان، فتنشر الوعي وتُعَمِّمُ التجهيزَ والإصلاح.
الاستسلامُ للرتابة لا يَدْخُلُ السباق، وتكريسُ النَّمطية
لا يُلْهِمُ الإبداع، وانتظارُ الظروفِ المواتيةِ يُعدِّدُ الفُرَصَ الضائعة.
وإنما يصنعُ الحضارةَ ويُغْنيها تَوْقٌ مُتجدِّدٌ إلى الأبْهَى
والأجْمل، إلى الأرْقى والأفْضل، تقتنعُ بذلك عيِّناتٌ من مختلف الشرائح والفئات، فتيسر
الأسباب، تستخلصُ الْمُمْكِنَ من الْمُحال، وتُعطي النموذجَ والمثال.
ولو دبَّتْ في أوْصال مُجتمع عدوى المحاكاة والاقتداء، لسامي
الممارسات وصائب الأعمال، لعرف طريقه نحو الخير والنماء، ولاَرْتقى سُلَّمَ الحضارة
دون توانٍ ولا إبطاء .
صُنَّاعُ الحضارة قد يكونون بُسطاء، ولكنهم مهْووسُون بالجمال
والارتقاء: في محيطهم، في هندامهم، في لغتهم ، في أعمالهم ، في مبادراتهم، وفي كل ما
يؤثث الفضاء ويرقى بالإنسان.