بقلم الأستاذ حميد طولست
ما سأكتبه اليوم ليس بخاطرة أدبية ولا مقالة
أو تدوينة سياسية ، بقدر ما هو كم وفير من علامات التعجب والاستفهام والاستغراب المحيرة
والمربكة التي حاصرتني من كل الاتجاهات بسبب الأمر المضحك المبكي ، والحالة المعيبة
والجارحة إلى أقصى الحدود ، التي عشتها قبل أيام خلال تتبعي لخسوف القمر الذي شاهده
المغاربة مساء يوم الجمعه 27.07.2018 ، على غرار الكثير من بلدان العالم، والذي فضح
بشكل مريع مدى تخلف المجتمع المغربي ، وأوضح
بالملموس الصارخ ، أنه مجتمع لازال يعيش علىنفس المعتقدات المتخلفة والتفسيرات الغيبية
الأسطورية للظواهر الطبيعية ، التي آمن بها الإنسان البدائي مند آلاف السنين
..
إنه حقا لأمر صادم ومفزع ، أن تتحرر غالبية البلدان المتقدمة من جهلها ويندثر ما تراكم منه عبر الزمان في ثقافاتهم ، وتقبى
مجتمعات بلادنا المتخلفة ، تؤمن ، وفي القرن الواحد والعشرين ، بنفس التفسيرات البائدة
للظاهرة الفلكية "خسوف القمر" التي تشكل لغالبيتها العظمى مصدر ذعر ورعب وهلع يفوق ما كان يعتري إنسان القرون الأولى ، الذي كان
يحتمي بالكهوف والجبال كلما شاهد إحداها ، قبل أن يهتدب بالعلم أن الخسوف ليس أمرا
شريرا من فعل الشياطين ، ولا فألا سيئا ينذر بالكوارث والمصائب، ويتوصل إلى أن الخسوف
ظاهرة فلكية طبيعية المسؤول عنها هو القمر، وأن ظل الأرض الذي يلقي بنفسه على القمر
، هو المسؤول عن الخسوف ، وأن ذلك ليس من غضب الآلهة ولا من انتقام الأرواح الشريرة
، أو هجوم التنانين والذئاب المتوحشة ، كما كان معروفا لدى الإغريق الذين كانوا ينظرون
إلى الكسوف والخسوف على أنهما من غضب من الآلهة ، كما اعتقد الصينيون بأن التنين يبتلع
شمسهم ، وكانوا يحاولون ثنيه عن ذلك بقرع الطبول وقرقعة الأدوات المعدنية ، تماما كما
كان يفعل الفايكينغ الذين ظنّوا أن الذئاب تمسك بالشمس وتخفيها عنهم ، ولم يكن الأوروبيون
ساعتها بأحسن حال من هؤلاء ولا من أولئك ، حيث كانوا يعتبرون هم أن أيضا أن الغول هو
الذي يخطف شمسهم ويسرق قمرهم ، وكانوا يواجهونه بالصراخ والعويل ليهرب ويتركهما ، أما
مجتمعاتنا العربية عامة والمجتمع المغربي على وجه الخصوص ، الذي ارتبطت لذيه ظاهرتي
الكسوف والخسوف بالدين – أو على الأصح - بضعف التدين وقلة التمسك بشرع الله المتمثل
في تعري المرأة فقط ، فقد كان ولازال الكثير من المجتمع المغربي يرى أن الخسوف علامة
من علامات الساعة ، وانذار بقرب نهاية الدنيا ، ونزول المصائب والكوارث بسبب خروج المراة
من بيتها وعدم تحجبها وتبرقعها، وغير ذلك من التفسيرام الغبية ، والأساطر الخرافية
المناقظة للدين والمنطق ، والتي سادت قذاراتها وانتشرت في ثقافتنا التي راكمت من تراث
الأولين –اليهود والمسيحيين- مئات الألوف من الروايات والأقوال والأحاديث والوقائع
المتشابكة ، التي تشكلت قناعات ومسلمات لا سند لها عن الظاهرة ، ولا يتقبلها إلا من
تحنط عقله وتجمد وعيه وتغيب فكره ، وشكلت مع الأسف فرصة سانحة للخصوم والأعداء للتشهير
بنا..
وفي ظل خضم هذا النحس ومعمعة ذاك الشؤم
، توارى المثقف الحقيقي ، ورجل الدين الصادق ، والفاعل الجمعوي الملتزم ، والمسؤول
الحكومي والسياسي الوطني ، وتخلوا جميهم عن دورهم الأساسي في التكفل بِأمراض المجتمع
، وتصحيح نواقصه المعقدة التي تمس الناس في الصميم ، و اعرضوا عن معالجة العلل المتشابكة
التي تصيب الحياة الاجتماعية، حاضرها ومستقبلها، وأمنها الاجتماعي ، فإنه ما على المسؤولين
الوطنيين ذوي العقول الراجحة الذين أدركوا
فداحة الوضع وحجم التحدي ، إلا أن يأخذوا القرارات الحاسمة التي لا بد منها ، مهما
كانت صعبة وقاهرة، لتسريع تنوير الأجيال الناشئة وتصحيح معلوماتها وزيادة معرفتها بما
يحيط بها ويجول حولها ، بما يلزم من مناهج النقد والتحليل المعتمدة على وقوة العقل
والمنطق والجرأة والإرادة ، حماية لهم من الأفكار المتخلفة والمتطرفة ، وإلاّ فلننتظر
السقوط المدوي ، الذي مهما تأخّر في الوصول فإنّه قادم لا محالة بما يحمله من الأذى
و الدمار و التخلف