حديقة جنان السبيل بفاس التي شيدت سنة
1917 على امتداد ثمان هكتارات بقلب المدينة العتيقة، وتبعد ببضع مترات عن ساحة البطحاء،
حيث تم التوقيع على وثيقة المطالبة باستقلال المملكة المغربية سنة 1944، صمدت لاكثر
من قرن من الزمن؛ رغم الإهمال الذي يطالها بين الفينة والأخرى حتى تنفلت نباتتها وتجهيزاتها
العريقة من عنق الزجاجة، بفضل تكاثف جهود المواطن الفاسي الغيور على بستان يعتبر على
مر التاريخ من أفضل وأجمل البساتين على الصعيد الوطني.
جنان السبيل، أو متنفس أهل فاس، حضي بالعديد
من الاهتمام من طرف قنوات تلفزيونية عالمية كقناة (آرتي الفرنسية)، دون إغفال القنوات
المغربية والمواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى الجرائد الورقية، كل هذا الاهتمام نظرا
لما تزخر به هذه الحديقة من نباتات وأشجار فريدة من نوعها وتوفرها على نافورات خشبية،
تؤرخ لقرون خلت، حيث اعتمدت هذه النافورات لاستخراج المياه من الآبار لاستعمالها في
السقي، كما يتواجد بها عدة سواقي ومجاري المياه العذب، يصدر خريرا هادئا يمنح من يسمعه
الطمأنينة وراحة البال وفترة لتأمل الخالق، وبتناغم هذا الخرير مع زقزقة العصافير وحفيف الأشجار، ينتج سمفونية
طبيعية غاية في الروعة والإبداع، يسر العاشقين وذوي الذوق الطبيعي العذب.
وقد شهدت هذه الحديقة إقامة العديد من حصص
الموسيقى العربيه العتيقة، كفن الطرب الأندلسي الأصيل والملحون وفن الآلة، جذبت عشاقها
من مختلف المدن المغربية والأوروبية، كما تحتفظ ذاكرة المكان بزيارتها من طرف عدة شخصيات
وطنية وأجنبية، من مختلف المجالات (السياسة، الفن، الرياضة ...).
حديقة جنان السبيل التي تشكل أهم بقعة خضراء
منتظمة بمدينة فاس، يُراهَنُ عليها للدخول بالعاصمة العلمية إلى قائمة المدن المزهرة
ضمن الشبكة العالمية للحدائق التاريخية.
كل هذا، لم يشفع لهذا المكان الجميل الذي
طالما أسعد زواره وأدخل البسمة في قلوب الأطفال، وساعد في علاج عدة حالات التوتر النفسي
والاجتماعي، حيث عرف عدة فترات عصيبة كادت أن تحوله إلى أرض قاحلة يتربص بها المنعشون
العقاريون في أفق إصابتها بالسرطان الأسمنتي، الذي لا ينفع معه علاج.
قلوب أهل فاس تحترق من أجل الحفاظ على هذه
المعلمة التاريخية، إذ سبق أن أهملت بشكل رهيب قبل مطلع الألفية الثالثة، مما دفع بالأميرة
لالة حسناء رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة سنة 2010 للتدخل بصفة استعجالية،
قصد إنقاذ حديقة جنان السبيل؛ وبالفعل فبفضل هذه المؤسسة تم إعادة ترميم عدة تجهيزاتها،
وصيانة نباتاتها، كما تم تعيين مجلس إداري خاص بها، يتكون من مدير الحديقة وعدة موظفين
وتخصيص ميزانية 15 مليون درهم سنويا، كمصاريف التسيير والصيانة، وبعد عامين من إغلاقها
تم إعادة افتتاح أبوابها أمام العموم (يونيو 2012) وتكون بذلك قد استعادت نشاطها و
مكانتها.
اليوم، وبعد ثمان سنوات من إعادة ترميم
هذا المتنفس ها هو الإهمال يصيبه بشكل خطير، مما تسبب في تخريب جل تجهيزاته، ونفوق
أسماكه، بسب تدفق المياه العادمة بمجاري المياه (الصور)، و هجرة طيوره بما فيها الإوز.
يقع هذا في عهد الرئيس إدريس الأزمي الإدريسي، حيث تراجع توهج مدينة فاس بشكل رهيب
على كل الجبهات، ولم تسلم من ذلك حتى الحدائق والمساحات الخضراء .. فهل سيستفيق العمدة البيجيدي لإعادة فاس لمكانتها
الطبيعية..؟؟.
لنا عودة للموضوع.
شكرا للحاج امجيد حارس الوداد الفاسي السابق لمدنا
بهذه الصور