فاطمة الإفريقي
لو كانت منظومتنا التعليمية تقيس أداء الأستاذ
بالأثر الفكري والنفسي على التلميذ و بالحضور التربوي النوعي والمؤثر ، لكانت استاذة
الفلسفة مينة بوشكيوة متوجة بعشرات الجوائز والأوسمة ؛ لكننا في منظومة تتحكم فيها
المساطر الإدارية البليدة التي تقيس الأداء التربوي بالحضور الشكلي أو بتوقيعات الحضور
والغياب .
كلنا تابعنا قصتها الانسانية المؤثرة في
هذا الزمن البئيس عاطفيا ، كلنا تابعنا عبر هذا الفضاء الأزرق ، بإعجاب شديد ، مبادرتها
النبيلة والشجاعة في إنقاذ تلميذ مريض كان مهددا ببتر قدمه ، تحمَّلتْ متاعب ومصاريف
نقله من مدينة زاكورة الى الدار البيضاء، و قادت حملة تضامن معه ساهم فيها متطوعون
وأطباء وممرضون ومحسنون، إلى ان شفي وعاد الى الحياة والدراسة بعد ان كان مهددا ببتر
قدمه أو الموت .
لو واجهنا حالة إنسانية كهذه تتطلب تضحية
لإنقاذ إنسان في حالة خطر ، سنقع في مأزق اخلاقي بين اختيارين
:
هل نتابع التزاماتنا المهنية وحياتنا المرتبة
و كأن شيئا لم يحدث ، ونترك التلميذ الفقير لقدره في مدينة مقصية من الخدمة الصحية
الضرورية ، لنحافظ على منصبنا الاداري ؟
أم ننحاز لنداء الانسانية ومنطق القلب،
ونؤجل كل شيء ونمضي لإنقاذ حياته بحثا عن فرصة العلاج الاخيرة، و إن كان ذلك على حساب
التزام اداري و واجبات مهنية ؟
بمنطق الواقع ، الكثيرون منا سيواصلون الحياة
، ويخضعون لقانون المساطر والمصالح الخاصة وتجنب المشاكل و لشعار ” ماشي شغلي” …
الاستاذة مينة انحازت لنداء الحياة والواجب
الإنساني ، و أنقذت التلميذ الذي شفي تماما ، ثم عادت لاستئناف عملها و لتعويض تلاميذها
عن غيابها المبرر و ما ضاع منهم من حصص الفلسفة . وأكيد نقلت لهم الدرس الفلسفي ومعه
الدرس الإنساني والاخلاقي بمبادرتها النبيلة .
بمنطق الأخلاق وقيم التضامن هو اختيار شجاع
وعمل بطولي، لكنه بمنطق الادارة والقانون ، هو خطأ مهني ، تبعاته كانت عقابا اداريا
قاسيا متعدد الاوجه من وزارة التربية وتوقيفا تعسفيا لا يزال متواصلا لاجرتها لأكثر
من 7 أشهر .
للأسف ،أحيانا يكون القانون أعمى وبلا قلب.