بقلم الأستاذ علي أبو رابعة
باسمِ الحقيقةِ الواحدةِ التى ما دُونَها
باطلٌ ،أَكتبُ ...
تلكَ الحقيقةُ التى تحدث عنها الفيلسوف
فيشته، وأقرها بسكال ..وتحدث عنها العلامة محمد الغزالى فى أكثر من موضع..وأكد عليها ديكارت فى مخطوطة التأملات
..حيث أن البعد عن تلك الحقيقة إنحرافٌ ،وإنجرافٌ ،وموت ،ومذلة ،وألم ؛بسبب حدوث حالة
من الإنغلاق الفكرى كعماء الثلج...
نعم ..إنى أشير إلى ظاهرة التطرف بمستوياتها
الثلاثة المعرفى والوجدانى والسلوكى .
أولاً ما التطرف ؟..إنه ظاهرةٌ ،-والأدق-
سلوكٌ مغلقٌ فى التفكير يتسم بعدم القدرة على تقبل أى فكر من قبل الاخرين تختلف عن
أفكار جماعته أو الأفكار التى ينتمي إليها ..فهو بالتالى الخروج عن القواعد الفكرية
والاساليب السلوكية الشائعة فى المجتمع عامة ..
فالتطرف الدينى يضاهى التطرف السياسي ،وكلهما
فلسفة ،وإذا قُلنْا فلسفة ،قُلنْا هناك تبرير فلسفى –لا محالة- ،حيث لا يوجد فكرٌ ،بلا تبريرٍ له ..فهذا الشيطان حينما أبى أن يسجد لآدم
،كان له تبريراً واضحاً ؛لتمرده على ربه ،وعصيانه له ،أن آدم مخلوقٌ طينىّ ،وأنه مخلوقٌ
نارىّ ..
فالفكر الخاطىء أن نظن أن المتطرفين لا
قاعدة فكرية لهم، تبرر سبب إنحرافهم عن الإعتدال والوسطية .
ومن الصائب ألا يتم مهاجمتهم ،وتقبيحهم
،وسبهم ،ولعنهم ،والدعاء عليهم كل حين ،فما أدرانا !..لعلنا على خطإ دامس ،وهم على
صواب يَبْسٍ !
الصائب التركيز على إسلوب الحوار ؛لبرهنة
أن الاعتدال فيه خير للناس وللانسانية –عامة- ..لأنّ السب ،واللعن من صفات من لا حجة
له -كما هو معهود- .
فعلى مستوى التطرف المعرفى ،نجد الجهل بأن
الله هو الحقيقة التى ليس دونها حقيقة، فالمعرفة الحقيقة للاشياء تبدأ بالله فمن لم
يعرف الله لم يعرف شيئاً ،فمن عرف الله لا ينحرف ،ولا يضجر ..فالله هو النور فمن آمن
بالنور رأى كل شئ على هيئته وصورته ،فليس من المعقول أن نقول ليس هناك إله ..إذنْ فلتقصْ
علىّ -أولاً- رواية تلك اللفظة أن تلفظتَ بها ، من أين جاءت ومن مخترعها ؟!..السؤال
لا يكون الا للشىء المعهود ..وأيضا المحسوس ..وحتى يُقطع شوطاً من التفكير علي كل ملحدٍ
متطرفٍ يبغى مكابرة فى الحديث.. حديثى رجاءً عن كنه الكهرباء ..هل هى منظورة أم محسوسة
..؟ ..ولماذا هنا آمنتَ بالمحسوساتِ ؟! .
الفلسفةُ شاعَ عنها ،أنها لغة الملاحدة
،لا ! ..بل إنها لغة الذين يبغون وجهَ الله ،يبغون التعرفَ عليه ،يبغون إحداثَ ثقباً
فى السماء لرؤية ما ورائها من مبهمٍ ..فلا يتفلسف إلا من جرد نفسه من الصفات الخبيثة
..كما أشار العلامة محمد الغزالى .
فالتطرف يبدأ من هنا.. بالنسبة للملاحدة !
أن يقرأواْ لفيلسوف لم يتعمقْ كفايةً فى
الفلسفة ،ثم ينكر وجود الله ..فبالنسبة لشاب يريد أن يكون مختلفاً عن الجميع ،يكتفى
بقراءة بعض الأسطر ..والدليل تجد الملحد دائمَ إعلانِ زندقته مع كل زفير وشهيق ..ثم
ينحتُ لفيلسوفه صنماً ،ويسجد له ..وحينما تحادثه تجده ينسب الفكر لذاته وهذا دليل ثانٍ
على تكبره ،وغروره ..وهنا نستنبط أنه أعمى كبير ..حيث ينتقد المجتمع بأنه يعتنق ديناً
موروثاً متنقلاً بلا تفكير وتمحيصٍ..وهو ذلك الشخص الذى يقرأ ،فيفرح ،فينسب ما قرأ
لذاته ،وهو بذلك مقلد لعين ..لا يفكر ولا يتأمل ..وهذه صفات التطرف ..الانغلاق واللاتفكير
..والسب واللعن.
يتبع ...