بقلم الأستاذ حميد طولست
ليس من طبعي التشاؤم، كما أني لست من المثبطين
الذين ينشرون التيئيس والعدمية والسوداوية بين المواطنين، ويسهمون بصورة مباشرة أو
غير مباشرة في تهويل الأمور والزيادة في معدلات الإحباط ، ويقفون في وجه تقدم البلاد
بنشر الأفكار السيئة المتشائمة، ومع ذلك لست متفائلاً حول الحصول على نتائج إيجابية
من اجتماع الحكومة وجولتها الحوارية مع النقابات ، والتي لا تختلف عن مثيلاتها التي
انعقدت في أزمنة ماضية ، والتي حددت أجنداتها
ربما لتكريس الأوضاع القديمة التقليدية، سبب تعثرها وفشلها ، الذي يؤدي إلى انسحاب
النقابات ، أو مغادرة حلقاتها قبل نهايتها ..
فكل من استمع إلى توقعات الحكومة وتفاؤلها
من نتائج الحوار، يتساءل عن مصدر هذا التفاؤل المبالغ فيه، وكل مؤشرات تلك النتائج
تشير إلى أنها كارثية مقارنة مع المشاكل التخمة التي تواصل مسيرتها تصاعدا ، لتنتج
المزيد من الكوارث !!
فمن أين يأتي هذا التفاؤل وكل مشاكل المواطن
تعلق على مشجب اكراهات ومقررات وتقييمات اختلقوها بأنفسهم اعتمادا على مزاجات وأهواء،
بينما المتهم الحقيقي يسكن بين أضلعنا ويعشش في أفئدتنا، والمتمثل في انعدام النية
الصادقة لإصلاح أوضاع الوطن والمواطن المطحون، والذي يصر الكثيرون على الإبقاء على
أوضاعه المزرية ، ونية الاستمرار في سياسة
زيادة اضعافه وتجويعه ، عملا بالمثل الشعبي "جوع كلبك يتبعك" ناسين أو متناسين،
أنه عندما يتعلق الأمر بلقمة العيش، فإن المواطنين البسطاء المقهورين من عمال وموظفين
ومستخدمين لا يهمهم أن يعرفوا الإكراهات ولا
أسباب التضخم ولا عوامل الظرفية الدولية، بقدر ما يهمهم أن يخرج الحوار الاجتماعي بنتائج
تستجيب للحد الأدنى من مطالبهم، وتمكنهم من خبز عيالهم!! فإذا لم تراجع الحكومة سياسة هجومها على الحق النقابي،
ولم تتخلى عن ثقافة تغييب مطالب الشغيلة ، بمأسسة الحوار وتعزيز الحريات النقابية والاهتمام
بالشغيلة وملفاتها المطلبية وعلى رأسها الزيادة في الأجور والمعاشات، وتطبيق السلم
المتحرك للأثمان والأجور، والحد من الفوارق بين العليا منها والهزيلة، ورفع الحد الأدنى
للأجر الشهري، لانقاذ ما يمكن انقاده من الأوضاع الاجتماعية التي لا تشابهها ولا تماثلها
أوضاع في الدنيا، فإننا لاشك سنفاجأ بأن التجويع المتبع سيدفع الكلاب للعض لا للتبعية..
من هذا المنظور فإن نقطة انطلاق الحوار
الاجتماعي ينبغي أن تكون هي مصلحة الشرائح الواسعة من المجتمع المغربي، وليس لبعض الحسابات
السياسية الحزبية ، أو تزكية لسياسات حكومية على حساب ملفات مطلبية جماهرية ،
فالمسؤول ليس من تقلد منصبا إنما من امتلك
القدرة على الحضور الفعال والتمكن وصنع القرار ومواجهة أسئلة الرأي العام ونقد الصحافة
واستجوابات البرلمان ونقاشات الندوات، وهذا هو الحوار الديموقراطي “المستدام” الذي
نرجو أن يسود لقاءات المتحاورين.
* المتشائل: هو مزج بين المتشائم والمتفائل
.