بقلم الأستاذ حميد طولست
أمر مؤسف وخطير ما أصبح عليه حال مجتمعنا
، في الآونة الأخيرة ،مع الكثير من التصرفات الرعناء المرفوض دينيا وأخلاقيا وقانونيا،
والتي لا تنم إلا عن قلة الحياء وسوء الذوق ، وعلى رأسها استسهال التلفظ بالكلام النابي
في الأماكن العامة ، دون مراعاة لحدود اللياقة واللباقة والتأدب ، التصرف الذي لا يمكن
قبوله حتى من الحمقى والمغفلين ، الذين لا حرج عليهم كما يقال ، لافتقارهم لأدبيات السلوك وطرق التواصل
، ودبلوماسية التحاور، فكيف يقبل من العقلاء –أو الذين يبدون كذلك- الذين من المفترض
فيهم معرفة حدود الكلام ، ووقع النابي منه على النفوس ، وما يتركه فيها من خذوش وندوب
، لأن الكلام ليس مجرد خواء ، يدخل من أذن المرء ويخرج من أذنه الأخرى دون أن يترك
أثرا من فرح أو حزن ، كما يعتقد رجل الشارع البسيط ، فما يدخل الأذن لا يخرج منها أبداً
، إلا بعد أن يصل إلى مبتغاه ، ويستقر في أعماق النفس ، لأن بين الأذنين دماغاً يفكر ويحس..
موجب هذه المقدمة هو واقعة مخجلة حضرت أطوارها
المستفزة ، قبل أيام في مكان عام هو "ترام" الرباط ، وكان بطلها شخص يبدو
من أناقة هندامه، وتنميق لحيته ، وما يتأبطه من جرائد وكتب ، أنه شخصية محترمة وعلى
علم بأن قيمة المرء ، ومنزلته عند الناس فيما يتلوه من كلام جميل، وما يذكره من عبارات
رقيقة تنفذ الى القلب ، وأنه يعرف مفعول الكلمة الجارحة في النفوس ، وما تتسبب لسامعيها
من إذاء وإيلام ، حتى لو لم يكونوا هم المقصودون بها ، بدليل ، قوله سبحانه وتعالى
: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ
طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ
حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
* وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ
مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ " إبراهيم: 24-26، وأنه ، بدون شك ، ممن يحفظون الحديث
الشريف القائل: إن الْمُؤْمِن ليس بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ
وَلا الْبَذِيءِ" ، ولكنه ، مع الأسف، فاجأ جميع ركاب "الترام" بتصرف
فج مستهجن وقبيح ،زلزل المكان باللعن والطعن، وسوء الكلام وفاحشه ، الذي استرسل فيه
بلا عناء ولا انقطاع ولا مشقة دون احترام لمن حوله من الناس ، الذين انقسموا في أمره
بين مستاء مندد ، لشعورهم بالتعرض للإهانة من سفه كلام الرجل وفحشه ، وبين غافل غير
مبال بخطورة ما دار حولهه من مستفز التصرف
، وكأن العالم بألف ، وبين مبتسم فرح بما سمع من "معيور" جارح و"حشيان
الهدرة" خادش للحياء ، وتعابير"خايبة" نابعة من نفس خبيثة ، بكل ما
تحمله من عنصرية دينية وعدوانية جنسية ، والتي تمحورت في مجملها حول الشتيمة الجنسية
- التي هي من الشتائم التنفيسية ، التي تُروح عن النفس ، مثلها مثل الشتيمة الدينية
أحيانا للإله أو للمعبود بشكل عام - التي اعتمد الرجل فيها على ذكر الجهاز الجنسي التناسلي
لأمهات المسبوب ولأخواته بشكل صريح ، للتعبير عن شدة غضبه ، وافراغ شحنة حنقه ، وتأذية
مشتومه والتقليل من هيبته وتحطيم معنوياته ، كما درجت العقلية المغربية القديمة التي
لم تتخلص من رواسب الماضي ، والتي أظهرت الشتائم الشائعة في موروثها الثقافي الشفهي
الشعبيي محورية فَرْج الأنثى في أغلبها، حيث يعتبر مجرد ذكر العضو التناسلي الخارجي
الأنثوي ، سبّةً مشينة ، يشعر معها المشتوم بذكر اسم جهاز أخته "... أختك"
أو جهاز أمه التناسلي "...أمك " ، أو مؤخرة أمه " ط...ز أمك"أو
مؤخرة أخته"ط...ز أختك" ، بالإهانة والإحساس بالإحتقار ، وكأن الجهاز التناسلي
الأنثوي عيب في حد ذاته ، سواء ذكر بالقول الصريح أو بالإيحاءات الجسدية المباشرة المعروفة
، والتي لا تقتصر على المجتمع المغربي والبلاد العربية وحدها، كما يتبادر لبعض الأذهان،
والشائعة في الكثير من الشعوب غير العربية التي تتمحورة لديها هي الأخرى تلك الشتائم
الجنسية حول العضو التناسلي للمرأة ، كما هو حال لفظ "كسُّ أمك" ،أي فرج
أمك ، في العامية المصرية ، والذي يعتقد الباحثون ان أصله من اللغة التركية ، حيث يقال للبنت أو الفتاة باللغة التركية
" كز " kiz، ويقال أيضا ان أصلها
من بلاد فارس وذلك لأنها موجودة في اللغة الفارسية ومعناها الفرج أي العضو التناسلي
الأنثوي ، حيث تستخدم في الفارسية في حال أراد شخص أن يشتم أم شخص آخر يقول له:
"كس ننت" وتعني ، كس أمك، أو "كيرت تو كس ننت" ويقصد بها عير في
كس أمك ، ويبدو أنها انتشرت هكذا وأصبحت تطلق عند الكثير من العرب على العضو الانثوي
.
والسؤال هنا والذي يطرح نفسه بإلحاح هو:
لماذا لا نسمع شتائم للعضو الذكوري ؟ ولماذا الشتائم الجنسية منصبة فقط على ذكر العضو
الأنثوي أمام الناس ؟ ولماذا كل هذا التأثير على مكانة الشخص المشتوم اجتماعيا ، وعلى
مكانة المرأة الاجتماعية الاجتماعية والثقافية ؟، ولماذا ذكر العضو الذكوري لا يعتبر
سبة تؤدي إلى التقليل من الهيبة الاجتماعية للمشتوم ، وتدل على ارتفاع مكانة الذكر
الاجتماعية على اعتبار أن الرجل لا يعيبه سلاحه أو قضيبه أو جهازه التناسلي ؟ وهذا
لا يعني أنه لا توجد شتيمة أو مسبة تلحق الاهانة بالرجل ، بل هناك شتائم جنسية كثيرة
تجلب العار على الرجل المشتوم بها ، وتترك في نفسه أثرا أشد من الضرب الجسدي ، وتتمحور
في غالبيتها حول والشذوذ واللواط والضعف الجنسي والخصي ، وهي مستعملة بكثرة على الصعيد
الشرقي والغربي والعربي وحتى الأوروبي ،كما في الشتيمة الجنسية التي ذكرها المتنبي
في قصيدته التي هجا فيها كافور والإخشيدي بقوله:
من كل رخو وكاء البطن منفتق:: لافي الرجال
ولا النسوان معدود.
صار الخصي إمام الآبقين بها ::فالحر مستعبد
والعبد معبـــــــــود .
ومن علم الأسود المخصي مكرمة::أقومه البيض
أم آباؤه الصيد.
ومن بين الألفاظ المسيئة للرجل في الدارجة
المغربية "الزامل" التي ترادف في اللهجة المصرية القديمة كلمة أو مسبة(مَنيكْ)
والتي هي من : ناك، وينيك، ومتناكة، بمعني يجامع وفي القبطية اللهجة الفيومية: نويك،
وفي اللهجة أخميمية: ناييك، وفي اللهجة الصعيدية: نايك ، هذا اللفظ الذي استخدم في الأدب تعبيراً عن الفعل الذكوري سواء مع الأنثى
أو بطريقة الاستمناء، وظهر التعبير كثيرا في النصوص الدينية المقدسة وفي مادتها المعجمية
نجد أيضاً: نكيكي بمعنى يعشر، نكو بمعنى زير نساء، نكك بمعنى مضاجعة الفتيان. وانتقلت
الكلمة الي اللغة العربية نيك: ناكها ، ينيكها بمعنى جامعها.
وفي الختام أسجل ملاحظة أساسية ، هي أنه لم يهتم كثيرا بالكتابة في هذا الموضوع الشديدة
الحساسية والكثيرة التعقيد ، ولما فيه من كشف لبعض الحقائق التي لازالت تعد طابوهات
محرمى ، ولما فيه من كشف لعيوب المجتمعات وكيف تصرفها في حالة الحنق والهيجان وفي حالة
الإحساس بالظلم وكذلك في التعبير عن الواقع اليومي البائس بعيدا عن تصنع فعل التحضر
في الأوقات العادية..