بقلم الأستاذ حميد طولست
في ظل ما أنا فيه من توثر لا أعرف له سببا
، بدا لي أن ابتعد عن الكتابة في السياسية مؤقتا طبعا، وأخوض في موضوع اجتماعي عاطفي-
شغلني مند مدة -عن العلاقة بين الحب والجنس، وما مدى كل منهما في فشل الكثير من الزيجات؟
وهل الجنس هو سيد الموقف في الزواج الناجح ؟، بحيث يمكن أن يمطر المزوجين حبا، أو يغرقهم
في مشاكل لا حدود لها ، إلى درجة يمكن أن تتحول معها مثاليات الحب إلى ضرب من الخيال
يجعله في خبر كان؟.
وكما هو معلوم ومنذ خلق الله الإنسان، أودع
فيه عواطف بشرية فطرية كالحب المتنوع الوجوه والمعاني، بسبب العوامل النفسية والمادية
المؤثرة فيه، واعتقد أن الجنس هو سر نجاح عاطفة الحب، أو فشلها في أية علاقة على وجه
الأرض، باستثناء بعض الحالات الشاذة، وذلك لأن الجنس مثل الطعام والشراب وكافة الغرائز
والحاجات الفسيولوجية لدى الإنسان والحيوان على السواء. إلا أن الإنسان طوره وحسنه
وزينه وتميز في ممارسته عن باقي الحيوانات، فلم يعد عنده وسيلة للتناسل وحفظ النوع
فقط، بل أصبح غاية فى حد ذاته، الأمر الذي إختلف فيه الكثيرون ، فاعتبره البعض تعبيرا
حقيقيا عن الحب، واعتبره البعض الآخر حاجة طبيعية تمارست للمتعة وليس للإنجاب فقط، وأسعد زواج وأفضله ربما
هو زواج بلا إنجاب، وبلا مسؤوليات أطفال ولا إنكار للذات، ولا ضياع للمتعة، ولا موت
للحب، وحتى إذا جاء الأطفال، فأفضل مراحل الزواج
وأسعدها هي مرحلة ما بعد أداء رسالة الإنجاب وواجب رعاية الأطفال وإعدادهم لأداء رسالتهم
في الحياة، التي يتفرغ فيها الزوجان للحياة الجنسية الحقة التي لا يكون فيها الجنس
مجرد لحظة عابرة، أو وسيلة لا غاية، بل يكون حياة متواصلة، ومتعة مستمرة، وغاية لا
وسيلة، يستمتع خلالها الزوجان بالحب والجنس ومباهج الحياة كلها، وكأنهما عاشقان في
فترة خطوبة طويلة لا تنتهي، أو متساكنان مساكنة أبدية، كما هو حال المتزوجين الغربيين
الذين يؤمنون إيمانا راسخاً بأن ممارسة الجنس أمر فطري ضروري تدعو إليه الحاجة البشرية
كالطعام والماء، وأنه غذاء للحب الأكبر ودواؤه مجددة ومكرره، ودليل ديمومة حميميته
مهما تقدم العمر ، كلما انتهى بدأت الحاجة إليه من جديد، ليس كغاية ولا نهاية، بل كبداية
تجعل الرغبة الجنسية العارمة تتعادل وتتوافق وتتوازن مع شدة الحب وإلحاح الرغبة في
التلاقي، ويكون بذلك تعبيرا عن اتساع دائرة الخيال وانطلاق الانجذاب والرغبة في التلاصق
والالتحام والذوبان إلى درجة الشبق الذي لا ينطفئ
حتى عند الشيوخ المتحابين، لأنه علاقة جسدية/روحية ممتعة لأقصى درجات المتعة
-في حالة ممارستها بشكل صحيح- التي لا تتوقف عند حدود الجسد، وتمتد عاطفتها إلى الروح
فتهزها هزا إنسانية حميما هائلا ، كتعبير خالص عن الاتصال والتواصل الذي يشكل جزء كبيرا
من نشوة الحب المتبادل في علاقة الحب بالجنس المركبة وذات التأثير المتشابك والمعقد
، التي تسعد بسحرها المحبين أيما سعادة بعيدا عن القيود والوصايا، وتشقى غير المحبين
الذين يكون الجنس عندهم عملية ميكانيكية بحتة وسريعة، والتي من الممكن أن يكون مثيراً،
لكن لا يكون في الغالب ممتعاً، بحيث يمكن أن يرضي الحاجة البيولوجية ولكنه لا يرضي
الحاجة النفسية، وكأن طرفي العلاقة هنا، يؤديان واجباً مدرسياً بلا حب أو رغبة، تماما
كما يتعامل التلاميذ مع فروض معلمة تأمرهم بـ"اغسل اليدين قبل الأكل وبعده"
فيطبقون التعليمات التي يطبقونها بحذافيرها دون رغبة أو إقتناع منهم.
لاشك أن الجنس ليس الحب كله، لأنه لو كان
كذلك لوقعت الكارثة، ولانتهى الحب بانتهاء الجنس، وفقدت العلاقة الزوجية كل أبعادها
الوجدانية والروحية والإنسانية، رغم ان التوقف عن ممارسة الجنس فيه إيذاء نفسي للزوجين
معا، وأن العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره على الحياة الزوجية، قد يؤدي
عدم الاهتمام به، أو وضعه في غير موضعه، إلى تكدير هذه الحياة، وإصابتها بالاضطراب
والتعاسة، وغالبا ما يفضي تراكم الأخطاء فيه إلى تدمير الحياة الزوجية والإتيان عليها
من قواعدها، وقد يقويها ويمتنها بما ينفخ في أوصالها من عواطف المودة والمحبة، إذا
استثمر الجنس ومورس بعقلانية وأشبع الرغبات الفطرية الإنسانية. كما كان الحال قبل اليوم؛
وما حال الجدات اللواتي كن يتزوجن بلا حب وبلا تعارف، إلا دليل قاطع على دوره الفعال
في خلق عواطف المودة والمحبة بين الأزواج ، حيث كان يزف ذكر وأنثى إلى بعضهما دون أن
يعرف أحدهما الآخر، أو يقابله في يوم من الأيام، وحتى دون أن ينظروا إلى صور بعضهم
البعض، وفي العتمة تحدث العلاقة الجنسية الأولى بينهما، وتنفث النفوس ما في جعبتها
من رغبة وهيام بدون مقدمات رومانسية وبدون كلمات الحب والغزل الطللية، بل اعتماد على
علاقة جنسية كاملة المقومات، ملبية لرغبة الطرفين
اللذين يخرجان منها راضيين الرضا الذي يخلق بينهما كما هائلا من الحب يفوق كل مقدار
ما كان يحدث منه مع عشاق و أزواج هذا العصر،
و بعد وقت وجيز، نجد هذا الزواج المفعم بالعلاقات الجنسية الأكثر شمولية، قد حقق نجاحا
باهرا، وظهرت على محيا طرفيه معالم الحب الحقيقي، وبدأ الغرام الفعلي، بلا أدنى منغصات،
باستثناء تلك التي يعرفها كل الزيجات حتى التي بنيت على الحب القبلي منها، وكل ذلك
بفضل العلاقة الجنسية المتوافقة، التي تظن بعض العقليات السادرة في واقعيتها الخرافية،
والغارقة في الحقائق الخاطءة عن الجنس ، أن الإسلام أهمل هذه العلاقة برغم أهميتها،
وتوهم آخرون-الإسلاميون المتشددون- أن الدين أسمى وأطهر من أن يتدخل في هذه الناحية
من حياة الإنسان بالتربية والتوجيه، أو بالتشريع والتنظيم ، بينما أن نجد الإسلام،
لم يغفل هذا الجانب الحساس من حياة الإنسان، وحياة الأسرة، واعترف بفطرية الدافع الجنسي
وأصالته، وأدان الاتجاهات المتطرفة التي تصادره، أو تعتبره قذارة وتلوثا، ومنع قطع
الشهوة الجنسية مؤقتا باعتزال النساء وترك الزواج، ونهائيا بالإخصاء، كما جاء في الحديث
الشريف: "أنا أعلمُكم بالله وأخشاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج
النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". كما أقر بحق كل من الزوجين في الاستجابة لهذا
الدافع، ورغب في العمل الجنسي إلى حد اعتباره عبادة وقربة إلى الله تعالى، كما في الحديث
الصحيح: "وفي بضع أحدكم (أي فرجه) صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته
ويكون له فيها أجر ؟ قال: نعم . أليس إذا وضعها في حرام كان عليه وزر، كذلك إذا وضعها
في حلال كان له أجر، أتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير ؟ " رواه مسلم، وذلك لأن
الجنس لدى المحبين هو نوع من التواصل الوجداني والجسدي الذي لا يستطيعون الانقطاع عنه
لمدة طويلة، وحبه لا يعتبر عهرا بذليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعهده ويحبه،
كما جاء في الحديث الشريف: "..حبب إلي من دنياكم النساء والطيب".. وفي كتاب
الزهد للإمام أحمد في هذا الحديث زيادة لطيفة وهي: " أصبر عن الطعام والشراب ولا
أصبر عنهن". ولذلك فإن الشريعة والقانون منعتا التوقف عن ممارسة الجنس بين الزوج
أو الزوجة لمدة تزيد عن أربعة أشهر كحد أقصى وبعدها إما عودة لممارسة الجنس أو فراق
بالطلاق، لأن الكثير من المشاكل التي يواجهها الأزواج، من انحراف المرأة أو الرجل ووقوعهما
في الزنا أو الخيانة الزوجية بكل أشكالها، ترجع بالأساس إلى العلاقة الجنسية غير السليمة،
أو من انقطاعها بامتناع الزوج أو الزوجة عن المعاشرة الزوجية أو عدم حصول الإشباع أثناء
الممارسة، وربما لا أبالغ إذا قلت، أنه نادرا ما تنعدم الرغبة الجنسية تماما لدى الكثيرين،
ويستمر البحث عن الإشباع والرضا وجو البهجة السامية، الذي يحمي الزوجين المحبين الواعين،
من مخاوف الكبر والشيخوخة، حتى اللحظات الأخيرة من العمر ، وربما إلى ما بعد الموت
في جنة الله، حيث سيلتقيان حتما في العالم الآخر ليواصلا ما بدآه من علاقة حميمة في
هذه الدنيا، كما يعتقد بذلك الغربيون الذين يقدسون الحب