بقلم ذ/علي أبو رابعة ـ من أرض الكنانة
هناك دول نظامها جمهورى، ولا يعلم معظمنا
ما معنى جمهورى ،جمهورية كلمة رومانية قديمة ،تساوى كلمة الديمقراطية الكلمة الآثينية
اليونانية ..فكيف دولتنا اسمها جمهورية ،وقد كتبنا طويلا، وتحدثنا عديدا عن الحرية،بل
طالبنا عقودا بالحرية،لكننا لا نطبقها مع أنفسنا ،أو فى جلساتنا الإجتماعية اليومية
.
وليكن ......!
هناك من لا يؤيدون فكرة الحرية ،فيستدلون
بأن معظم الشعب جاهلون ،وأميون !
فهذه الفئة يا سادة، هى فرقة السوفسطائية
-المطبلاتية- التى تبرر فعائل الحاكم الديكتاتورية ..فيقولونها صراحة ،وبمنتهى الوضوح
:"نحن لا نؤيد فكرة الديمقراطية ،نؤيد الديكتاتورية. ".
الرد من د/مصطفى محمود -رحمه الله-
:" هناك من يناضلون من أجل الحرية ،وهناك من يناضلون من أجل تحسين شروط العبودية.
" ،فالحرية هى شعار كرامة الإنسان ،فالإنسان الذي لا يحكم عقله ،فهو مستعبد ،الانسان
الذي لا يفكر ،ويخضع لأوامر بشرية تمتاز بالنسبية ،فهو مستعبد
.
فالحاكم ليس إلها ؛حتى نعبده، ونقدسه
..بل هو بشرى ،وأى عمل إنسانى نسبى ،وليس مطلقا ؛لأن دائرة المطلق ،هى دائرة، يحتكرها
الدين، وينفرد بها!..فالذي يدخل الحاكم فى دائرة التقديس ،فهو إما جاهل أعمى منساق
وراء مصلحته ،أو لديه عدوان سياسي مع أحزاب أخرى، ويرى أن خطأ الحاكم، سيسبب له الخزى
،والعار، أمام الأحزاب التى يعاديها ،فيشرع فى إستخدام التطبيل على الدرابكة ،عن طريق
علم السوفسطائية ؛من أجل إقناع الناس بعدم إرتكاب الحاكم خطأ من الأخطاء ،فيقولون مثلا
(لم يخطأ هناك مؤمرات خارجية وداخلية احذروا منها ..وهكذا) .
الحرية لا تعلم ،ولا تدرس، وليس لها كتالوج
معينا ! ،فهى شعور ،وأداء فطرى ،خلقنا به، ونمارسه بفطرتنا -التى خلقنا الله عليها
- كل يوم ،وساعة ،ودقيقة ،وثانية ...عندما يشعر المرء بعدم الظلم وأن المجتمع عادل،
وهو الوحيد الذي يظلم ويبطش فسيشعر بالخزى ،والعار ،وسيتراجع عن ظلمه للآخرين، سواء
أكان هذا الظلم عن طريق السرقة ،أو النصب ،أو القتل ،أو قطع الطريق ،أو الاعتداء على
الآخرين ..الخ .
فالعدل الإجتماعى، هو عامل ،ومقوم أساسي؛
لبناء شعب، يمارس الحرية بكل معانيها ..فالعدل الاجتماعى موجود ،ولكنه مقنن فى العقود
،ولكن لا عدل بلا مساواة فى تطبيق ذلك العدل المتمثل فى القانون، يحب أن يكون هناك
مساواة فى تطبيق القانون العادل !
ولكن حينما يجد الفرد الظلم، يتطاير فى
هواء المجتمع ،ويختبئ تحت ثراه، وترابه ،ويعوم على مائه ،ويسكن داخل مؤسساته ..حينها
لا تقل لى :"أهؤلاء يستحقون أن يكونوا أحرارا؟! ".
كل إنسان يستحق الحرية ؛ولأن الحرية تسير
فى دمه ،بل الحرية يتمتع بها كل شئ على الأرض ،ولكن القانون مقومها، ويقوضها، ويحددها
أمام كل شخص لأن الذي سيتعداها سيكون مذنبا لأن اختراق دائرة الحرية ؛سيسبب خرقا ،وتدميرا
فى أى زواية ،أو حجر من أحجار المجتمع !
ماذا لو تخلى الأسد عن أكله للحوم ،واتجه
لأكل النباتات ،ولم يكتف بذلك ،بل ادعى ان ذلك من الحرية ،ودعى كل الحيوانات آكلات
اللحوم؛ لأكل النباتات ؟! ..الأسد اخترق دائرة الحرية التى كان يضعها قانون النظام
الأيكولوجى -البيئى- الذي قننه له خالقه ،فسبب بخروجه عن دائرة الحرية التى حددها له
القانون الإلهى خرقا ،وتدميرا فى الأرض ،حيث اصبحت كل الحيوانات آكلات نباتات، فأخذوا
يأكلون فى الغطاء النباتى ،حتى أصابه بظاهرة الرعى الجائر، فتهالك ،واختفى ،وتحولت
الأرض الى صحراء !
ماذا لو تخلى الدم عن حريته بأن يقلل ضغطه
عن 80 مل زئبق الى 30مل زئبق ؛لأنه يري أن تلك حرية ؟!
ماذا يحدث لو توقفت الأرض عن الدوران، ظنا
منها أن ذلك حرية ؟!
ماذا يحدث لو توقفت الرياح، لو أبى الماء
أن يتبخر؟!
فالقانون يحدد، ويقوى الحرية، ويكسبها معانيها
..وعدم تطبيق القانون بكل معاييره ،وأسسه يؤدى الى موت الحرية فى النفوس ،وانقياد الشعوب
وراء شهواتها من مال، وسلطة ،وحب تملك، ونساء، والسطو ،والحب الحرام، والظلم بكل أشكاله
..الخ
فليس الجهل هو الذي يدفع الرجل الى عدم
الالتزام بالنظام او بالنظافة ! ..بل المجتمع الذي لا يوفر لذلك الرجل إمكانيات ملائمة
؛كى تقومه، وتساعده ،وتعينه على الالتزام بالنظام، او بالنظافة
!
وهكذا الجهل لا يدفع المرء الى عدم ممارسة
الحرية بطريقة جيدة ،بل النظام الحاكم الذي لا يمتاز بالشفافية ،هو الذي يجعله مشتتا
؛حتى يعجز عن التمييز بين الصائب والخاطىء، فيهرب الرجل فزعا ،وجزعا ،وهلعا ،حينما
يكتشف أنه لو قال رأيه ،لضرب ،وبطش ! أو عندما يكتشف أنه غير مقتنع برأيه فى ذاته
!
الحرية هى ذلك الشئ الذي لا يكتسب ،بل شئ
فطرى ..ولكن إن لم يكن هناك مقوما؛ لتقويضه ؛وتحديده ،فلا تقل لى إنه جهل، وأمية
.
قال حكيم من الحكماء :" من ينحاز لديمقراطية
شعبه ،لا ينحاز العالم ضده ".