بقلم الأستاذ حميد طولست
قمة البؤس ، أن يقتصر مفهوم الإصلاح لدى بعض المسؤولين على العبث بمصائر الشعب وإرهاقه وتفقيره وتجهيله
وإهمال أوضاع طبقاته الاجتماعية الهشة و وكسر طبقته المتوسطة بإطلاق يد أحزاب الاستوزار
ونخبها السياسية المتنعمة في خيرات البلاد ، وقادة نقاباتها المرفهة في حياتهم الخاصة
، الفقراء في حياتهم السياسية ، لتتلاعبب بشؤنهم التعليمة والصحية والمسكية والشغلية...
كم هو مؤسف فعلا تمكين مثل هذه النماذج
الرديئة التي ليس لديها ما تعطيه ، ولا تنتظر إلا ما تأخذ ، من شأن الموطنين المسحوقين
، وهم لا يحسنون قراءة الأحدات ولا يستبقونها لتطوير لذواتهم ، ومؤسف أيضا تبني تلك
النماذج لتوجات اجتماعية وسياسية ، تضخ الحقد وتؤجج روح الثأر، بغرض تحقيق الذات وعلى
حساب ما يعيشه الوطن والمواطن من مرارة الواقع ، ومؤسف أكثر ما ينتجه ذاك الواقع بؤس
وأفواج الفقراء والمحتاجين الذين تتحول معهم قيم وأخلاق المجتمع إلى منظومة جرائم تشيع
الانحلال والانحطاط ، تحت ذريعة العوز والجوع والحاجة ، الذي عجل بتبدلات تنذر بأفدح
العواقب في بعض قيمه ومسلكياته ، التي تغذت خفية على فُتات غول الفساد ، وباتت معها
الأصول القيمية هوامش ومنسيات تراثية فاقدة لقيمتها الأصيلة ، والتي من أخطرها على
الإطلاق ، فكرة "ثقافة اللامبالاة" التي انتشرت بين مكونات المجتمع ، تحت
مبررات واهية ، مفادها أن الحكومة مقصرة أو فاشلة أو فاسدة ، المبرارات التي لا يمكن
أن يتخدها المواطن الصالح ، شماعة للتنصل من واجباته تجاه قضايا وطنه ، أو دريعة لإلغاء
مسؤولياته نحو مواطنيه ، لأن فساد الحكومة و صلاحها ، تقصيرها و قصورها أو فشلها ، أمور لا تصلح أن تكون حجج للتخلف عن تأدية الواجبات
الوطنية ، التي يجب أن تكون العلاقة بينها وبين مسؤوليات الحكومة عكسية ، بحيث لا يحق
لأي كان الركون إلى اللامبالاة والاسترخاء والتفرج على ما يحدث في بلاده ، دون أن يبدل
جهدا لخدمتها ، حيث ينبغي له ، بل ويجب على جميع المواطنين ، كل حسب موقعه، مضاعفة
الجهود لتحقيق مصالح المجتمع إذا حدث تقاعص حكومي في إنجاز ما يخدم المواطن ، أو تقصر
أو فشل في القيام به ، فكلما ازداد تقصير الحكومة أو تفاقم قصورها أو كثر فشلها ، تحتم
على المجتمع المدني أن يبدل - بشكل تطوعي -كامل جهده ووقته لتدارك التقصير أو القصور
، في جميع الميادين التي تصب في بوثقة خدمة المجتمع .
والأخطر من كل هذا وذاك ، والذي لا يكفي
معه وفيه ، لا تأسف المتأسفين ولا تحسر المتحسرين ، هو صمت عقلاء الأمة حيال انتشار
هذه الفكرة المدمرة والهدامة ، وعدم تحريك أكثريتهم ساكنا لصدها أو تغييرها، ربما يقول
قائل ، أنهم معذورون في ذلك لسببين اثنين، الأول منطقي وإن كان غير مقبول ، وهو أن وقوف أي كان في وجه الخطأ والفساد يجر عليه
عداء كل الجهات الفاسدة والداعمة للفساد، وهم كثر. والثاني والغير المنطقي والمرفوض،
وهو أن أكثرية الناس لا ينتصرون للموقف الصحيح وإن كانوا أصحاب مصلحة فيه، مبدعدين
أنفسهم من المسؤولية ، تطبيقا للمثل المغربي المحبط للعزائم المكرس اللنهزامية :
"بعد من البلى لا يبليك" والذي يماثله عند إخواننا المصريين :" ابعد
عن الشر وغني له". الأمر الذي مكن الأفكار
الفاسدة من غزو العقول والإستحواذ على الأفئدة ، والذيوع والإنتشار ، والتمسك بها حد
العبادة في المجتمعات الجاهلة ، وتقديمها فرصة سانحة لخصوم الوطن لتوظيفها في مهاجمته
وإرهاب وطنيينه بها للتخلي عن دعمه والدفاع عن حوزته .
فهل سيستفيق المجتمع من غفلته ويصحح تصرفاته
اللامسؤولة ، اقتداء بأخلاق الرعيل الأول من الوطنيين الصادقين الذين ضحوا بأنفسهم
في سبيل أوطانهم ؟ لاشك أن ذلك ممكن الحصول بالتوعية الفاعلة والمتفاعلة ، كمفتاح تفكيك
كل الظواهرة السلبية واحتوائها، وتشجيع الخلق على تحمل المسؤولية، ومواجهة الاعوجاجات
السلوكية التي تخطف من المجتمع الفرحة والعذوبة، وتطارد من حوله جمال والحق وتغتال بهجة مشاعر الوطنية
..