adsense

/www.alqalamlhor.com

2017/06/09 - 12:32 ص



بقلم الأستاذ حميد طولست


بعد مغرب أحد أيام رمضان المبارك ، وعند بوابة أحد مساجد إحدى ضواحي باريس ، أثار إنتباهي وقوف فتية بلحى كثة وطويلة يوزعون منشورات ، كانت نسخة طبق الأصل ، شكلا ومضمونا، لما  رأيته يوزع بعد الصلاة ، بوابات بعض المساجد بالمغرب ، كما كانت مماثلة أيضا لما حصلت عليه  بباب أحد مساجد القاهرة -التي غادرتها قبل أيام قليلة ، نحو باريس التي اعتدت قضاء هذا شهر رمضان بها- والتي كانت عبارة عن مجموعة من الأحاديث النبوية المغدقة للوعود الباذخة بالصفح والمغفرة ، مقابل ممارسة بعض الشعائرة والعبادات المكرَّسة للتطهير من الذنوب ، من قبيل: إن ممارسة العبادة الفلانية تجعلك أيها المسلم طاهراً من الذنوب كيوم ولدتك أمك!....
ذهب بي التفكير الى الشك في الغاية الحقيقية من وراء توزيع تلك المنشورات الكروجة لتلك النوعية من الأحاديث ،على هذا النطاق الواسع ، ومدى انسجامها مع الغايات الدينية السامية ، وهل هي فعلا صدفة أو مصادفة تشابهها في كل البلدان والدول المتباعدة جغرافيا ،التي توزع فيها ، أم أن وراء ذلك أمر ما ، أو جهة وأيديواوجية خاصة ، تعمل على الانقلاب على تعاليم الدين وقيمه وأخلاقه السامية ، بضرب  عمق العبادات ، التي هي ،كما يقول الفقهاء :" طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية " فرضها سبحانه وتعالى  لاختبار صدْق إيمان المؤمنين وتقواهم، وليس للاعتبارات التي تزعم المنشورات الموزعة ، دون ستند عقلي أو منطقي،  بأنّ الغاية منها ، هو إكساب ممارسيها منافعَ مادّية ، كتخليصهم  من الشعور بالذنب،  وتطهيرهم من مشاعر التوتر وعدم الأمان وتوقع العقاب وغيرها من مشاعر الندم ولوم الذات ، الأمر الذي إذا اقتنعوا به واطمأنوا إلى مفعوله التطهيري ، وقدرته على التخليص من الشعور بالذنب ، من خلال الأحاديث -التي وضعها القدماء وجعلوا الناس تكررها دون أن تفهمها - والتي بغض النظر عن صحتها أو عدمه ، فهي تعمل على تشجيع المسلمين على عدم النفور من الأخطاء والذنوب ، وتعظم لديهم قدرة معاودتها والاستمرار فيها ، إلى أن تصبح حياتهم حياة قائمة على انتهاك القيم والمثل والمعايير الاخلاقية والإجتماعية والمبادئ الدينية ، التي لا تقترفها في الأغلب الأعم إلا الشريحة التي تحرص على ألا تكون سوية في تعاملاتها مع الغير ،  فتغشّ ، وتكذب ، وتنافق ، وترتشي ، بشكل مستمر، والتي لا تستطيع تحمل الشعور بالذنب طويلاً، فتلحأ للتخلص منه ، للشعائر والعبادات ذات الفعَّالية التطهيرية الخارقة ، التي تروج لها الأحاديث موضوع المنشورات الموزعة بأبواب المساجد ، والتي لا تؤديها بغرض التوبة النصوح ، ولا بقصد التخلي عن الذنوب والمعاصي والآثام، وعقد العزم الأكيد على عدم العودة إلى ارتكابها مرة أخرى في مستقبل حياتها ، كأي تائب حين يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً فيتمتع بالفلاح والنجاح والسداد والتوفيق، مصداقا لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/ 31)، وإنما يؤدونها استعدادا للعودة إلى ارتكاب الأخطاء من جديد والاستمرار فيها ، بعد الشعور براحة التخلص من مشاعر الذنب والإثم بفضل العبادات التطهيرية ، ثم يعاودون الكرة من جديد ، أخطاء وآثام ، ثم شعائر وعبادات تطهيرية ، ما يجعل المجتمع يبدو جميعه  ملتزما دينياً، لكنه  لايتورع عن ارتكاب الذنوب والخطاء في حق الغير وعلى رأسهم وطنه  الذي يقوم بسرقة خيراته ، إلى درجة جعلته يحقق أعلى معدلات ممارسة الرشوة على المستوى العالمي؟ حيث حل -حسب الدراسة التي أعدتها منظمة الشفافية العالمية "ترانسبرانسي أنترناشيونال" -في الرتبة الـ91 عالميا في مؤشر انتشار الفساد، من بين 175 دولة عبر العالم، متراجعا بذلك بثلاثة مراتب، مقارنة مع سنة 2012...