بقلم الأستاذ حميد طولست
ما أغربها من أمة عربية ، وأغرب بها من
أمة ، يصاب المتأمل لحال شعوبها بقدر كبير من الذهول ، وتضيع خيوط عقل المهتم بهموم
مجتمعاتها ، في زحمة غيوم التوتر الخانقة المخيمة على أجوائها المزدحمة بالظواهر السلبية
، إلى درجة لا يتحمل معها وطأة إستعراضية قبائحها الفاضحة ، وتفرض عليه تساؤلات قلقة
ومقلقة لمن فطن لخطورتها ، ومؤرقة لكل من يحاول
سبر أغوارها ، أو يغامر لإيجاد أجوبة منطقية لمسبباتها التي زجت بهذه المة تحت
ثقل النكبات والمصائب الهادرة لطاقتها ، والمبعثرة لإمكاناتها ، والمشتتة لمجهوداتها
، إنها والله لصورة درامية لاتخلو من سخرية ، ألا تتوحد أمة تعبد إلاه واحد وتتوجه
لقبلة واحدة ، إلا على يد القرضاوية والحويني ، وحول قضايا تافهة وأحداث سخيفة وهامشية
كحجاب المرأة ورضاعة الكبير وتفخيد الرضيعة ، في الوقت الذي تعجز فيه أو تتكاسل عن
هزم قابلية التشتت والتصدع، وتضارب التوجهات، وتنافر الرغبات ، وتفاقم التفرق بينها
في كل شيء وفي كل مجال ، حتى صدق فيها القول المشهور: "اتفق العرب على ألا يتفقوا
"
الذي يجب علينا العودة للخلف لمعرفة منبع
انطلاق المقولات الثابتة لمسألة عدم اتفاق العرب أو المسلمين ،التي خرجت، بكل حمولاتها
الثقافية التي حمتلها عبر الزمن ، في الأساس
من منطلق ديني مغلوط ،استنادا لحديث لا تعرف مدى صحته، إلا أنه شكل وعاء للمقولة ،
والتي تروي في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من ربه ثلاث خصال، فأجابه في
اثنتين ولم يجبه في الثالثة «أن لا يلبسنا شيعا»، وهي الخاصة بوقوع الفتنة والشقاق
والاختلاف بين المسلمين أنفسهم، والتي رسخ لفكرة أن العرب لا يتفقون أبدا، ترسيخا جوهريا
رغم أن الجغرافيا جمعتهم إلا أن السياسة والمصالح القطرية فرقتهم ، وكان من الأولى أن تقودهم الثقافة وليس السياسة،
التي استجلبت عليهم الفرقة واستدعت موروثات الهزيمة والشك في الانعثاق والتحرر، الذي
تفرضه الصراعات الخفية ، التي ظاهرها مذهبي وباطنها سياسي/زعاماتي.
لقد آن الأوان لهذه الأمة ، بل أصبحت مطالبة
الآن وأكثر من أي وقت مضى ، إن هي أرادت أن تضمن كرامتها واحترامها وتواجدها ، وترأب
صدعها ، بأن توقظ بينها صحوة التوحد ، وتشعل جدوة معانقة التآخي ، ليس بالدعاء الذي
لا يصنع النصر ، كما يقولون ، ولكن بتوطد العزم على تدشن إنطلاقة جديدة واعدة لبعث
الأمل ، وتجاوز ثقافة الفرقة وتعزيز حظوظ التحالف والإلتام ولم شملها وجمع طاقاتها
المشتتة ، وامكانياتها المهدورة ، وجهودها المبعثرة ، لدخل تاريخ التوحد الحقيقي الواقعي
،بكل عناد وصدق وإرادة ، لأن العالم لا يعترف بالكيانات الضعيفة المشتتة
.