بقلم الأستاذ حميد
طولست
بقدر ما أشفقت
كثيرًا على حال شباط ، وما آلت إليه أحواله بعد أن دارت عليه الأيام دورتها ، وانتهت
به إلى ما لم يحسِب له حسابا ، من انحدار وسقوط
تلا ما عرفته أقداره من صعود سريع ، بقدر ما تحسرت على أتباعه الحزبيين ، وامتلأت
نفسي بالحزن الشديد والأسى العميق على النقابيين الطيبين إلى حد السذاجة ، الذين وثقوا
بمشروعاته "الفمامية " التي انتظروا من ورائها ترقية أوظاعهم، وتنمية أحوالهم ، والنهوض بوطنهم ، ونفخوا فيه من
أجل ذلك "البعرة" بالمديح والثناء
والاطراء والتفخيم ، وكل عبارات التعظيم التي حولته إلى مستبد ، لينتهي به المطاف إلى
خصم لهم ولكافة مناضلي الحزب والنقابة ومخلصيهما، وإلى عدو لثوابت الوطن التي اعترى
الغموض التزامه بها ، وحامت الشكوك حول مواقفه تجاهها ، ما جعل الكثير من مريديه قبل
خصومه ، يعيدون النظر في واقعيته كأمين عام لحزب عتيد ، وقائد لنقابة ضخمة، ويفجرون
براكين غضبهم الدفين ضده كزعيم ارتكز في تعامله على قاعدة قوامها الحيوي ، الجشع وحب
الامتلاك والاستعباد السياسي ، و"ما أريكم
إلا ما أرى" ، تماما كباقي الرؤساء المستبدين الذين عرفهم التاريخ ، وتمت صناعتهم
من أفشل المواد الخام، لغة وتعبيرا وأسلوبا وأفكارًا وغطرسة فارغة ، التي انتهت بهم
إلى ديكتاتوريين أمثال القذافي ، وصدام حسين وموجابي ، وهيلاسلاسي ، وتشاوشيسكو ، وسوموزا
،وسالازار ومنجستو ، هيلامريم ، وباتستدا ، وفرانسوا ديفالييه ، وبينوشيه ، وفرانكو
، وهتلر ، وستالين ، وماوتسي تونج ، وأنور خوجة ، وموسوليني ، وغيرهم كثير من الطغاة
المستبدين الذين لا يمكن التفرقة بين الذكي منهم و الأبله والمتخلف عقليا، أو الفاشل
والفاشي ، لأنهم في النهاية واحد ، حين تتجمع
في أيديهم السلطة المطلقة القادرة على تصفية الخصوم والمنافسين ، وصناعة الخدام والأتباع
الطيعين ، من حتالة المرتزقة ، الفارغة رؤوسهم من أي مشروع علمي أو ثقافي أو تعليمي
، الذين لا دراية لهم لا بالسياسة ولا بالدين ، ولا يتقنون غير عبقرة السيد المستبد،
وتبرير كل تصرفاته وأي كلمة أو إشارة أو همسة أو غمزة أو أمر أو توجيه منهم ، وكأنه
نبي من أنبياء الله الصالحين، أو إلاه فرعوني يسبحون بحمدهم ، وذلك بقدرة تأثير ومفعول
لعبة العصا والجزرة ، التي يثقن استغلالها لكسر نخوة وكرامة وروح المتمردين ، وإسقاط
لاعقي الأحدية في حـِجـْـر الرئيس ، والصاقهم
بهواه ، وتبنيهم لرؤاه ، واعتناقهم لدينه ، وانسجامهم مع فكره ومزاجه ، فتراهم حوله كالذباب "فلبطانة " يعتاشون على تلميعه، وتفسير فلسفته، وتبرير توجيهاته،
إذا ابتسم قهقهوا وصفقوا، وإذا غضب إرتعشت
أيديهم ، وإصطكت أسنانهم ، وإنفصلت ركبهم ، وإذا انتفض ضد شخص أذاقوه الويلات ، وإذا
كره العلم والثقافة ، مزقوا الكتب وأحرقوا الصحف والمجلات ، وإذا فسى كبروا ، وإذا
بال تبولوا ، -كالأحمرة التي إذا بال حمار
منها بالت كل الأحمرة - غير مبالين بما يُفعل بحزبهم العتيد من تقزيم للحزب ، ولنقابته
الكبيرة من تصغير، وتسفيه دورهما وحصره في التصفيق والتهليل له ، فما أكثر هذه النوعية من البشر، والتي لا يئرفني
أن أنشر هنا أسماءهم لكثرتهم ،ولأني لست وحدي من يعرف الكثير منهم ، كما أعرف أصابع
يدي ، فرغم إدعاء بعضهم العلم والفقه والثقافة ، فهم معروفون بسيماهم وخصالهم التي
تجسد الجهل ، والنفاق ، والانحطاط ، والانبطاح ، والتدهور، والسقوط ، في أبهى تجلياته ..