بقلم الأستاذ حميد طولست
لاستمرار العلاقات الإنسانية حية ، لا خيار
لنا سوى ان يبدأ كل منا بنفسه ويسمو بها فوق عقدها.. ويباعد بينها وبين الركون الى
افتعال المشاكل الوهمية التي لا يتورع أحدنا في انتقاد غيره بها وإتهامهم بذنبها ، كأسهل الطرق وأخطرها في نفس الآن، لإثبات أنه
على حق خاصة عند تعدد الآراء، أو تقديم الأدلة على خلوه من العيوب ، إذ ليس هناك ما
يؤثر سلبا على الروابط الإنسانية ويسير بها إلى المنعطفات المسدودة ، أكثر من انتقاد
الآخرين لأتفه الأسباب وأحقر الأشيا ، واتهامهم بالتقصير، أو ضحالة الفهم . الانشغال بعيوب الغير، ونسيانه أو تناسيه أنهم بشر
، وأنهم يصيبون ويخطئون، كما في الحديث: "كل بني آدم خطاء، وخير والخطائين التوابون"
.
فكم هو قبيح أن ينسى الإنسان عيوب نفسه
الأمارة بالسوء، والتي تحتاج إلى المجاهدة والعلاج ، وينظر إلى عيوب غيره بمنظار مُـكـبّرة
يرى به القـذاة الدقيقة في عين أخيه ولا يرى "العمش" في عينيه" والذي عبر عنه الشاعر بقوله البليغ:
قبيح من الإنسان ينسى عيوبه *** ويذكر عيباً
في أخيه قد اختفى
فلو كان ذا عقل لما عاب غيره *** وفيه عيوب
لو رآها بها اكتفى.
ولذا يجب ألا يحرص المرء على التفتيش عن
عيوب الآخرين ، وتتبع عوراتهم ، وتضخيم معايبهم وإظهارها بدعوى إصلاح أحوالهم ، وكلنا
يعلم أنه من المستحيل إصلاح الكثير من الأمور ،بفضح الخفايا والأسرار التي سترها رب
العالمين ، وعليه أن يكتفي بالخير الذي يظهره الناس في وجهه، مراعاة لحجم عقولهم ،
لأنه غير مضطر لتصحيح تفكيرهم أو سلوكهم ،
بقدر ما هو مجبر على إصلاح نفسه ، التي سيسأل عنها قبل غيرها، مصداقا لقوله تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
رَهِينَةٌ " سورة المدثر 38، لأن الانشغال بعيوب الناس آفة من آفات اللسان، وعيب
من عيوب النفس المؤدية إلى شيوع العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع الواحد ، لأن لكل
يكره من يخوض في أعراض الآخرين ويعيبهم بما فيهم، أو بما فيه ، ويشهر عيوبهم ويترك
حسناتهم أو يتناساها ، فيفتح على نفسه باب الغيبة وسوء الظن ، والرد عليه بالمثل أو
بأشد منه ، فتحدث القطيعة وتنتشر العداوة والبغضاء ، وقد قيل في المثل السائر
" من عاب الناس عابوه" ، وقال الشاعر:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ ... فكلك عورات
و للناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك معايباً ... فصنها و
قل يا عين للناس أعين
وقالت مجموعة جيل جيلالى في إحدى أغانيهم
:"يا ذوك اللايمين رفقوا من حالي ، لاش تعيبو فقولي وافعالي ، شدرت انا شدرت فيما
يجرى لي ، مناش الي اخترت لعيوب ديال !!"
يتبع...