بقلم الأستاذ حميد طولست
الموضوع : رياض الأطفال!!
السيد الوزير المحترم ، إنكم تعلمون علم
اليقين أن الدفاع عن المدرسة العمومية ، والمطالبة بتأهيلها ، وتوجيه دفة إصلاح أحوالها
نحو استعادة شيء من بريقها وقيمتها المتدهورة ، ورد بعض من هيبتها المفقودة ، كمؤسسة
مهتمة بتربية الناشئة وإعداد رجال الغد ، قد أضحى مطلبا أساسيا ، وأولية أكثر أهمية
وإلحاحية من أي إصلاح آخر ، خاصة مع ما أصبحت
تعرفه هذه المؤسسة التعليم العمومي من أجواء اللامبالاة بالمتمدرس وقلة الاهتمام به
، إن على مستوى والمكتسبات ، أو على مستوى شروط التربية والتنشئة الاجتماعية والثقافية
الصحيحة المطلوبة ، والتي أصبحت لا تستجيب لأبسط معايير جودة خدمات التربية والتعليم
السليمين المعترف بهما دوليا ، والتي تتحمل الدولة بكل مكوناتها الرقابية ، بكافة أشكالها
وصورها ، مسؤولية تدهوره وفقده للمكانة والقيمة في كافة الأسلاك التعليمية –سواء على
مستوى والمناهج التعليمية مأساوية أو المردودية السلبية - وخاصة منها تلك التي يطلق
عليها المؤسسات العمومية المخصة بالتنشئة وعلى رأسها مؤسسات التعليم أولية ، التي يطلق
عليها تجنيا "الحضانات، أو رياض الأطفال،
أو الكتاتيب"، والتي بمعاينة بسيطة، لمؤسساتها التي تعد المحطة الأولى التي يتفاعل
معها الطفل ، وتنمو بها قدراته وتتفتح فيها مواهبه ، كمكمل للتربية الأسرية قبل بلوغه
سن التمدرس والالتحاق بالمدارس الابتدائية ، فإنكم لاشك ستكتشفون السيد الوزير-إن لم
يكن ذلك قد حصل بالفعل- أننا أمام مؤسسات عشوائية، في غالبيتها، غير متجانسة في بنياتها،
وفي مرافقها، وفي وسائلها التربوية ، وطرقها التعليمية ، ومناهجها ، وأما عاملين بها
لا تتوفر غالبيتهم على أدنى شروط وصفاة المربين ، وتغيب في أكثريتهم أبسط أدوات مساعدة
الطفل على فهم المرحلة التي يعيشها، ومن تم يصعب تأهيل جيل كامل للمرور إلى طور التعليم
الابتدائي بشكل صحيح، لاعتماد جل تلك المؤسسات على أطر غير مؤهلة تعول في مجملها على
بيداغوجيا التلقين والتحفيظ غير الملائمين لطبيعة المتعلم في هته المرحلة العمرية الحرجة
، ومناهد غير صاحة لا للتربية ولا للتعليم السليمين ، والتي لا تعمل إلا على تحويل عقول المتعلمين إلى مجرد وعاء لتكديس المعلومات
دون تحليلها للاستفادة منها ، وخاصة منها تلك التي يروج لها دجاجلة الذين الذين يهيمنون
على أكثرية تلك المؤسسات، على طول البلاد وعرضها- وبترخيص من وزارتكم السيد الوزير،
مع الأسف- والتي وجدوا في فوضاها وعشوائيتها، أضمن سبل تكوين الأتباع والأوفياء والمريدين
، وترويضهم مند نعومة أظافرهم، وشحنهم بمختلفة أشكال الدجل، وأنواع الشعوذة والخرافة
والأساطير والمعجزات الكاذبة، عبر ما يروجون من قصص "عذاب القبر" و
"الشجاع الأقرع" و "عذاب السعير والكائنات الخرافية و"الثعبان
الأعور"، وباقي خلطات العفن التي تجافي العقل ، وتعادي العلم ،وتنتصر إلى إبطال
إرادة الإنسان الخلاقة لصالح قوى الغيب والمجهول ، عوض تحرير فكر الأطفال وتنويره ، وهم يعرفون علم
اليقين أن: "التعليم في الصغر، كالنقش على الحجر" ، لكن بشاعة النوايا وموت
الضمائر، والجشع والرغبة في التحكم في الرقاب ، والذي يمثل أكبر العوائق السياسية والاجتماعية
والثقافية أمام تقدم التعليم عامة والتعليم الأولي على الخصوص، والذي لم تحدد الوزارة
الوصية معالمه كسلك تربوي مهم، وتركته قطاعا يتسم بالضبابية وعدم وضوح الرؤية، كما
يُستشف من خلال تفحص القوانين الرسمية التي تشترط في إحداث هذه المؤسسات، على اختلاف
أنماطها ،وما تعيشه من فوضى مزرية في كل مناحيها
، التنظيمية والهيكلية ونوعية وقيمة المواد الملقنة بها ، والتي تختلف حسب اختلاف الأماكن
التي تتواجد بها المؤسسة ، والتي تخضع للتوج السياسي أو العقائدي لمالكي المؤسسة ،
التي تهمل فيها أحوال المعلمين العمرية والنفسية ، مقابل البعد التجاري والبرغماتي
الذي يطغي على كل الأبعاد التربوي عند أغلب المستثمرين في هذا المجال ، وخاصة منها
الأحياء الشعبية الفقيرة والمهمشة، حيث تنتشر كالفطر، ويضطر محدودي الدخل من الأسر
-مرغمين لا أبطال- لتعليم أبنائهم بها ، تحت ضغط الحاجة، وغياب فرص الاختيار.
لاشك السيد الوزير ، أن هذا الوضع غير العادي
، يفرض عليكم ضرورة إعادة النظر في وضعية هذه المؤسسات في ظل سؤال الجودة الذي دأبت
وزارتكم على رفعه إثر كل دخول مدرسي، والذي أصبح اليوم أولوية ملحة تفرض نفسها بحدة
أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع هذا المفصل الخطير من المنظومة التعليمية، الذي يحتاج
إلى تقنين، وتأهيل ومراقبة والتزام ببرامج تربوية محددة بعيدة عن عمليات التلقين العقيمة
لمواد لا فائدة منها في هذه المرحلة الحساسة من عمر المتعلمين ، والتي تحتاج إلى مهارات
خاصة وأساليب تقنية وعلمية لابد للمعلم أن يتقنها ، ويلتزم بها المستثمر نحو المُتلقي،
لأن العلم والتعليم والتعلم أخلاق وفن راق، وهدف سامٍ، رفع رايته الأنبياء، وتسلسل
من بعدهم في ذات المنهج المصلحون وأرباب الضمائر الحية، من العلماء والمثقفين ووجهاء
القوم، لرفع الجهل عن الأمم، وتنوير العقول، لذلك جعلت كل الأمم الحية - عبر تاريخها
- التي تؤمن بإنسانية الإنسان، أطفالها يتمتعون بتعليم مميز بعيد عن الصفقات التجارية
والسياسية المشبوهة ، وما ينتج عنها من إساءة للمتعلم وللعملية التعليمية وللوطن
..
كم نتمنى السيد الوزير مخلصين ، أن يكون
مسؤولي وزارتكم اقد تلقفوا مضامين الخطب الملكية السامية حول التعليم ، واستوعبوا طنين
ناقوس الخطر، الذي طالما دقه ، وفهموا الرسائل السامية التي وجهت لهم والتي لم تترك
لهم ترف عناء التأويل أو التحليل أو الإسقاط، وأن يهبوا للعمل على تنفيذ الاستراتيجيات
المندمجة التي وضعها لتطوير قطاعي التعليم الخاص والعام، برفع فاعلية أجهزتها ومؤسساتها
وكفاءة مواردهما وجعل بيئتها ميدان لتحقيق تنمية الوطن وتحضره وتقدمه ورفاهية مواطنيه
، ولا شك السيد الوزير أن المجتمع المغربي قاطبة، يتطلع إلى تحول المسؤولين عن التعليم
، في عهدكم ، من لغة الأعذار والتشكي من قلة الكوادر البشرية والردود الدفاعية والتصريحات
الانفعالية المتسيبة ، والممارسات البشعة، والإنزلاقات السلوكية المسفة ، إلى تحمل
المسؤولية والعمل بحب وحماس وإخلاص مصداقا لقول الله تعالى في الآية (97) من سورة النحل
التي يؤكد فيها سبحانه ، أنه لن ينفع المرء شيء في الدنيا والآخرة سوي عمله الصالح
والتي يعد فيها سبحانه من يعمل ابتغاء مرضاته بحياة طيبة وبثواب كبير، وذلك في قوله
عز جلاله : "من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم
أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" صدق الله العظيم.