حميد هيمة..
تراجعت الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية،
بعد مشاركتها، من موقع هامشي، في الحكم المؤطر بتوافقات "التناوب" الذي قاده
ذ. عبد الرحمان اليوسفي، ليس القصد هنا الإحالة إلى التراجع الانتخابي للأحزاب المعنية
في ظل نظام سياسي مغلق يتحكم في الهندسة الانتخابية، بل القصد هو الانكماش التنظيمي
وضمور الخطاب السياسي والرهان على الأعيان كبديل للمناضل-ة.
يمكن استعراض بعض الفرضيات لتفهم حالة العياء
التي تطال التنظيمات الوطنية جراء صراعها مع السلطةسابقا، غير أن واقع التذرية، التي
تتعرض لها، تضخمت بشكل متزامن مع اندماجها
في بنية السلطة.
ولقراءة هذا الواقع، يمكن الاستئناس بالمفاتيح/
المحددات التي توسل إليها الجابري لتحليل "العقل السياسي العربي"، وهي: القبيلة
- الغنيمة- العقيدة.
الظاهر، من خلال السلوك الحزبي للتنظيمات
الوطنية، هو غياب " المواطنة الحزبية" كتجسيد للحقوق والواجبات بين الأعضاء
والمؤسسات، في تفويض المسؤوليات أو توزيع غنائم المشاركة الحكومية، تنتعش الروابط العشائرية
وتتقوى العصبية، لتمكين ذوي القربى والخدم من المسؤوليات المذرة للريع.
وباتت هذه الأحزاب، التي أنتجت قيم التطوع
ونكران الذات، محترفة في التسابق، مع الكيانات الانتخابية، التي صنعتها إدارة السلطة،
لاصطياد الأعيان كأحصنة مضمونة الربح في الرهانات الانتخابية.
لم يعد المناضل-ة إلا صفة إجرائية تحيل
إلى مشروعيات النضال والتاريخ الوطني، بعد أن استبطن هذا المناضل لشروط ومواصفات الرعية
في الحزب/ النقابة...الخ، بحثا عن الغنيمة.
والملاحظ، أن أعضاء هذه التشكيلات تخوض
حروبا طاحنة للظفر بنصيبها من "العطاء الذي يعيش به أهل الدولة ومن تعلق بهم"،
بتعبير ابن خلدون. إن هاجس التسلق التنظيمي، اعتمادا على روابط القرابة أو علاقات المخدومية،
من أجل النفاذ إلى المواقع التي تجعل الريع والفيء والغنائم في متناول اليد!
تحللت العقيدة/المرجعية الحزبية من البرهان،
وانحدرت وظيفتها للتنظير لجبر الزعيم (من اشتدت وطأته وجبت طاعته)، ولتبرير المنزلة
بين المنزلتين، وتكفير المرتدين عن "الملة الجديدة"!
لا تنتمي هذه التدوينة لمطالب "نهاية'الأحزاب
الوطنية، او الاستعاضة عنها بأحزاب لقيطة الأصل بذريعة المنجز الانتخابي"، لكنها
تحاول- التدوينة- إثارة التفكير في المفاعيل الداخلية للتفكك، دون نفي الفاعل المركزي،
المخزن كمحتكر للشرعية الوطنية والدينية، في قتل هذه الفصيلة من التشكيلات الحزبية
والتعجيل بدفنها في متحف النسيان، حتى ينفرد، إلى جانب السطو على الثروة، بكل هذه المشروعيات
الرمزية!