بقلم الأستاذ حميد طولست
كلي يقين أني لو قلت عن بعض قادة أحزابنا
ورؤساء نقاباتنا المغربية أنهم "مكلخين" ، لغضب مني أولئك القادة والرؤساء
، واستاءوا من وصفي لهم بــ"التكليخة"، ولاتهموني بشتى الاتهامات من التخابر والتمخزن والتبوليس وتلقي الدعم من الخارج
وكل ما جاورها من التهم الجاهزة ، ومع ذلك فإني مصر على فعل ذلك ، والتأكيد على أن
بعض قادة أحزابنا ورؤساء نقاباتنا المغربية بعضهم "مكلخ" بالفعل ، ولإثبات
ذلك لن أكون في حاجة للدخول في تحليلات عميقة أو البحث عن نظريات مطلسمة ، كما أني
لن اضطر لاستخدام مصطلحات شعبوية رنانة ، كما يفعلون "لتكليخة " المثير منهم،
بل سأسوق لذلك دليلا بسيطا جدا ، وربما تافها ، لكنه يمثل نموذجا من بين عشرات النماذج
الكاشفة والفاضحة لـ"التكليخة" التي تتميز فئة القادة والرؤساء "لمكلخين
" ، واضرب مثلا بسيطا من بين عشرات الأمثلة التي تبين بجلاء مدى الانحطاط الذي
وصل إليه حال الحراك السياس/النقابي في مجتمعنا ، وتكشف بكل وضوح عن سذاجة سياسينا،
وتؤكد أن ما يقولونه ويصرحون به وينادون له ، ما هو إلا مجرد أصوات بلهاء وسطحية ،
تخرج من الأفواه دون أن تمرّ لا بقلوبهم ولا بالعقول -لمن كانت لهم منهم عقول – المثل
والدليل الذي يتمثل في التكبير الذي لجأ إليه مؤخرا أحد أولئك القادة والرؤساء ، متصايحا
بعبارته "الله أكبر" المقدسة ، والتي سلك بها مسلكاَ وعراَ غير مسلكه ، واستعملها
في محل غير محلها ،وفي وقت ليس أوانها ، ومناسبة ليست مناسبتها ، لاستجلاب تعاطف البسطاء
، بعد أن أفزعه السقوط المدوي ، وأرهبه الانحدار الجارف ، ودوخه الذي منع مؤتمره نقابي ، وغير ذلك من المصائب التي لم يحسب لها أي حسابا
، متوهما أن (التكبير)من غير ضوابط ولا قيود، ما أساء لقدسيته ، وهز معايير قيمه الدينية
والأخلاقية ، وغاياته الاجتماعية والنفسية ، التي تساعد الناس على تحقيق توازنات ضرورية
لحياة أكثر استقراراً ، وصدم مشاعر الكثير
من الذين ينتظرون منه تقديم نموذجا جيدا عن
الدين من خلال التفرَّغ لخدمة الناس وإنقاذهم مما هم فيه من فقر ومرض وجوع وشعور بالخذلان
، بدلا مما يحاول إثارته من بلابل ، بتكبيراته السطحية التي نسي ، أو تناسى أنها عبارة
عظيمة تهتز لقدسيتها وقوتها الجبال الرواسي
، كلما انطلقت من القلوب المؤمنة، التي تشعر بما تمده بركتها من القوةَ والثباتَ والإخلاصَ، وعزَّة الله وقوَّته وكبريائِه ومعيَّته ، لكنها
تبقى –مع الأسف- دون جدوى إذا كانت في غير محلها ولا في مكانها ، فلا يفوز مطلقها ،
ولا ينتصر، ولا يصبح شخصية مهابة ولا مميزة ولا حتى مؤمنة ، لمجرد تصايحه بها في جموع
الناس لغايات غير بريئة ، كما أنها تبقى سلوكا ساذجا وإجراء غبيا ، يكشف انهزامية المكبر
ووصوليته ، وتصرفا أرعنا يفضح محاولة إخفاء الفشل وضعف الثقة بالنفس وراء مثل ذاك
"التكبير" النابع من الحلق فقط ، والذي يسيء للمكبر قبل أن يسيء لغيره من
الخصوم والأعداء ، لأنّ الخصوم والأعداء ، ليسوا بأغبياء ، حتى يروه مثلما يريد هو
أن يظهر للناس ، لمجرد أنه رفع صوته بالتكبير.. وهو العارف أن ثمة سبلا وإجراءات مجدية
وتقود الذات الصادقة إلى أن تكون بالغة التأثير ،مميزة الآثار، وليس التكبير واصطناع
الإيمان الزائف من ضمنها ، والذي أخطأ صاحبها
الهدف ، فشمله النص القرآني الكريم :
"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ "صُنْعًا"
، الكهف: 103-104.
لكنه ، والله ، لمنطق الأيام الدوارة التي
لا يخضع دورانها لا للرغبات البلهاء ولا للأوهام التافهة ، ولا ينتهي دورانها إلا بالانحدار
والسقوط المدوي لمن لا يحسب لدورانها حسابا
..