بقلم الأستاذ حميد طولست
السيد الوزير من منطلق تقديرنا لعمق وضخامة
المسؤولية الموكولة اليكم ، نهنئكم بالثقة الملكية الغالية التي حضيتم بها ونهنئ أنفسنا
وزارة التعليم بكم ، ونثمن الخطوات الاصلاحية القيمة التي أقدمتم عليها مباشرة بعد
توليكم الوزارة ، وعلى رأسها مراجعة كتب التربية الإسلامية ، الذي تطلع إليه عموم المواطنين
المغاربة ، وعلى الأخص منهم رجال التعليم وأباء وأولياء التلاميذ الذين يقرون أنها
خطوة جبارة ليس لإصلاح التعليم ، بل والمجتمع بكامله ، ولكنها سيبقى ناقصا إذا لم تتبعونها بما ينتظر منكم تنزيله
من مشاريع نموذجية في المؤسسات التعليمية ، والتي من بينها "المكتبة المدرسية"
التي نريد برسالتنا هذه اثارة انتباهكم الى ما تحتاجه فضاءاتها ومحتوياتها والقيمن
عليها ، من اصلاحات و تعديلات ، ترتقى بمجالها ، وتشجيع المتمدرسين على ارتيادها والاستفادة
من محتوياتها من الكتب وباقي وسائل الوصول للمعرفة والمعلومة المفيدة لاحتياجات المتعلمين
على اختلاف أنواعها و مختلف نواحيها ، الوجداني
والعقلي والاجتماعي والسلوكي والصحي ، لهو ، السيد الوزير ، من اخطير الأمور
التي توليها البلدان المتقدمة بالغة الأهمية ، كمرفق من أهم مرافق المدرسة النموذجية
التي تتبع الأساليب والطرق التربوية الحديثة ، ووسيلة من أهم الوسائل التي يستعان بها
على تحقق المفهوم الحديث للمناهج الدراسية بمعناها الواسع ، لما ترتكز عليه من العديد
من العمليات التعليمية والأنشطة التربوية ، التي تؤدي دورا فاعلا في تحقيق أهداف المدرسة
، وتساهم بفاعلية في انتقال البلدان المهتمة بمكتبات مدارسها ، تنظما وإعدادا ، نحو
الرقي والصعود ، بينما تتخلف عن الرقي والصعود ، كل البلدان التي لا مكان ولا أثر للمكتبة
المدرسية في اهتمامات مسؤوليها ، ولا محل لها في انشغالاتهم الفردية والمؤسساتية ،
والتي يتجاهل أو يتغافل الكثير منهم ، عن حاجة المعلمين والمتعلمين لخدماتها الجليلة
في تحقيق المفهوم الحديث للمنهج التعليمي ، والذي ليس باستطاعة أي مؤسسة تعليمية بلوغه
بدون مكتبة معدة إعدادا جيدا ، ومزودة بما يناسب تلامذتها من مؤلفات ومراجع ومقررات
، التي تمكنهم من اكتساب مهارات القراءة والبحث
والحصول على المعلومات، و صدق من قال أن أمةً لا تهتم بمكتبات مدارسها ، لا مكان لها
في وجدان البشرية ، ولن يحترمها التاريخ.
ولا شك السيد الوزير المحترم ، بأن أخطر
أسباب تخلف المدرسة المغربية ، ليس هو انعدام الاهتمام بمكتباتها ، بل ذاك الاهتمام
السقيم الذي يبديه مسؤولو التعليم في بلادنا مناسباتيا ، وترك أمر تدبيرها لمن لا خبرة
لهم في تسيرها ، ولا يعرفون جطورتها ، ويـراعون حـرمتها لا مهنيا ولا ضـميرا ، إلى
جانب نوعية ما تزود به -بحسن نية أو سوئها ، أو عن جهل وهو الأعم في غالب الأحوال-
من كتب ومراجع مشبوهة الانتماءات ، متحيزة التوجهات ، تمس العقيدة الصحيحة ، وتطعن
في الانتماء للوطني ، وتعاند مسايرة المتغيرات الكثيرة والمتلاحقة التي يعرفها العصر
، حيث إذا دخلتم أي مكتبة مدرسية في أي مؤسسة تعليمية ، وفي أي جهة من المغرب كانت
، فلن تجد إلا أصناف الكتب ذات القوالب الجاهزة ، التي لا تتناسب ومستويات عقول المتلقين
الطرية ، ولا تساير ميولاتهم الطفلية الفطرية ، والتي يتوه معها وفيها العقل ، كدخائر
كتيبات "عذاب القبر" ، و"الثعبان الأقرع ، أو الأعور" ، و"المسيح
الدجال" ، ومؤلفات القتل والجهاد في سبيل الله ، ونفائس كتب الهوس الجنسي المبشرة
بالحور العين والولدان المخلدون المعششة في الخيالات المريضة لمؤلفين عاشوا ولازالوا
يعيشون في مراحل حضارية جنينية ، وكل منشورات الخرافة ولاعقلانية المسلمات الغيبية
التي كانت وراء تأسيس القاعدة ولقيطاتها داعش ، وجبهة النصرة ، وبكوحرام ، وغير ذلك
من المؤلفات التي حولت الكثير من بسطاء العقول
إلى روبوتات بشرية - ضحايا آلهة الشر – التي تنفذ ما يملى عليها من قتل للأبرياء
وقتل أنفسهم ، وعلى رأس تلك الكتب التراثية مؤلفات ابن تيمية والتي كلنا يتصور مصير
التلاميذ ، الذين يعثرون عليها بين محتويات مكتبات مدارسهم ، سواء صدفة أو بتوجيه من
معلميهم ،ويطلعون عليها ، ويتشبعون بما فيها من دعوات للتطرف والقتل ، منذ صغر سنهم
..
لذا اسمحو لي السيد الوزير أن أدعوكم لحث
المدراء على الاهتمام "الحقيقي" بالمكتبات بمؤسساتهم ، بالرفع من مستوى ما تحويه رفوفها من غث الكتب
وتوافه المؤلفات ، واستبداله بما هو صالحة بمستويات التلاميذ ومدرسيهم ، من الكتب التي
تخاطب عقولهم الصغيرة ، وتحترم مشاعرهم وميولاتهم الطفلية ، كأول نوع من فضاءات التعلم
التي تقابلهم في حياتهم ، والتي سيتوقف علاقتهم بالمكتبات الأخرى الموجودة في المجتمع
على مدى تأثرهم بها ، وانطباعهم عنها .
وأختم رسالتي لجنابكم الوقر بقولة المفكر
اللبناني ميخائيل نعيمة : " لكي يستطيع الكاتبُ أن يكتب والناشرُ أن ينشر، فلابد
من أمةٍ تقرأ ، ولكي تكون لنا أمةٌ تقرأ لابد من حكاّم يقرؤون
".