بقلم الأستاذ حميد طولست
من بين الملاحظات التي لفتت نظري في المشهد
السياسي الفرنسي خلال الانتخابات الرئاسية ، أن فرنسا سيحكمها الشباب، ممثلا بمرشحي
الوسطي المستقل إيمانويل ماكرون صاحب 39 سنة، الذي يعتبر اصغر رئيس فرنسي منذ نابليون
، ومادام ماري لوبان مرشحة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف ، ذات 48 عاما الفائزين
في الدورة الأولى من بين 11 متنافسا على خدمة فرنسا والفرنسيين ، والذين كان من بينهم
الحزبين العتيدين حزب اليمين وحزب الاشتراكيين ، اللذان لم يصل أي منهما للجولة الثانية
.
ومن أطرف الملاحظات التي وقفت عليها في
هذه المعمعة الديمقراطية ، التي تجاوز فيها الفرنسيون - كما كل الدول المتقدمة - مسألة حكم المرأة إلى
الأصلح ومن يخدم مجتمعهم بطريقة أحسن وأفضل ، رجلا كان أو امرأة ، رافضين " فيون
" الذي لم يستطع الفوز في الدور الأول ، رغم ماضيه وتجربته العتيدة ، لمجرد إشاعات
حول فضائح مالية لولاها لكان من المحتمل ان
يكون هو الرئيس القادم ، لأنهم في المجتمعات المتقدمة لا قبلون بالفاسدين ، وأن الفساد
لديهم خط أحمر ولو كان مجرد إشاعة ، وأن الصدق والتفاني في خدمة المجتمع ، والحرص على
أن تبقى مصالح المجتمع الفرنسي هي العليا، وفرنسا فوق الجميع وقبل الجميع ، هي السبيل
الوحيد للنجاح والفوز ، فإن العالم كله أهتم بالحث والتحليل في برامج الرئيسين النمحتملين
للجمهورية الفرنسية ، إيمانويل ماكرون وماري لوبن ومواقفهما السياسية ، وبرنامجهما
الاقتصادي، وخططهما الرئاسية وخياراتهما البديلة
حول الإنذارات المتشائمة التي يروجها اليمين المتطرف بشأن بناء البيت الأوروبي الموحد
، وفرضية الانسحاب من الاتحاد الاوربي ، ومسألة فرض الرقابة القوية على المساجد و الخطب
الدينية التي تلقى فيها ، والتهديد باغلاق حدود فرنسا في وجه المهاجرين الجدد ، في
حال أصبح أحدهما رئيسا لفرنسا ..
إلا العرب الذين لم يغريهم في القصة سوى
الجانب النسائي، ولم يهتموا إلا بالحياة الشخصية للسيدة "بريجيت ترونيو"
، المرأة التي يُتوقع أن تصبح سيدة فرنسا الأولى، إذا فاز زوجها بالرئاسة في الدورة
الثانية ، وزاد اهتمام العرب بحياتها الزوجية لما علموا أنها تكبر زوجها بـ25 عامًا ، واشتد إهتمامهم بها لما عرفوا أنها كانت معلمته
لمادة المسرح وهو في سن الخامسة عشرة ، فتصدوا لماضيها –المعلوم والعادي عند الفرنسيين-بالنبش
والتشريح ، وقوموا قوامها ، وقيموا جمالها ، وبحثوا أسباب زواجها بتلميذها ، وذهب خيالهم الخصب ، بعيدا كعادتهم في أمور النميمة
، فإختلقوا قصص حب وعشق غريبة ، حول أسباب ارتباط امرأة متقدمة في السن بشاب أصغر من
أحد أبنائها ، بسيناروهات الأفلام الهندية التي يعشقونها ، ولم يكتفي بعض النبهاء من
المحللين السياسيين وأصحاب المواقع الاجتماعية ، بكل ذلك التدخل السافر في حياة المرأة
، فتحولوا بقدرة تأثير خيالاتهم الخربة ، إلى علماء نفس يحللون ارتباط رئيس فرنسا المحتمل
بزوجته المتقدمة في السن ، وارجاع ذلك إلى مرحلة الطفولة، ونزعته احتياج الطفل إلى
نصائح والدته والتي ربما لم يحضى بالقدر الكافي منها أو لم يخصص له ما يشبع رغباته
من ذلك ويكافيه عقدته ، ما وجده في معلمته بدلا من أمه ، وغير ذلك من الترهات التي
تملأ العقل العربي الذكوري المريض، تماما كما فعلوا قبل شهور مع زوجة ترامب و ابنته
، بدل الاهتمام بمصير العرب في خضم ما يعرفه العالم من تطور وتبدل خطير..