adsense

/www.alqalamlhor.com

2017/02/27 - 9:00 م


بقلم الأستاذ حميد طولست

يموت العظماء فلا يندثر منهم إلا العنصر الترابي الذي يرجع إلى أصله ، و تبقى ذكرهم حي على الأرض ، قوة تحرك ، و رابطة متينة تجمع ، و نور ساطع يهدي ، وعطر فواح  ينعش ، وهذه هي العظمة ، وذاك هو خلودا ، فكل ما يخلفه العظماء من ميراث وآثار مشهودة ، هي أمجاد يُعتز ويُفخر بها ، وأعمال جليلة يُنتفع بها ، وأفكار نيرة يُهتدى بها من بعدهم ، كما قال الشاعر:
المرء بعد الموت أحدوثة … يفنى و تبقى منه آثاره
فأحسن الحالات حال امرئ     …   تطيب بعد الموت أخبــاره
لقد ترجلت أيها الوطن الاستثنائي ، والفنان الاستثنائي ، والمسرحي الاستثنائي ، والسنمائي الاستثنائي ، ترجلت يا وحش الفلاة عن فرسك في وقت ما زال الركح في أشد الحاجة إليك ،  خاصة أن الاستثنائيين أمثالك لا يعوضون ..
ولا أخالني مسرفاً إن تمنيت أن تتذوقَ الأجيال الشابة وسامة أوصافك ، وصدق أقوالك ، وتميز أفعالك ، حتى يعلموا مقدار ما خسرته الساحة الفنية من قيمة ، وليعرفوا ما فقد الوطن من ذاكرة وطنية ، جديرة بالاحتفاء والتكريم ، ومقدار ما خسره الذين عرفوك عن قرب ، وما تعلمه من زاملك من غزير مزاياك ، وشرفوا بتسجيل أسمائهم معك في سجل وأصداء حضورك المتميز الذي يستحق منا جميعا أن نؤلف فيها وعنها كتبا ترصد وتتحدث عن مسيرتك الفنية النضالية ، وتكفيك رائعتك افداعية "أزلية سيف بن ذي يزن" ، ولازمتها التي رددها وراءك في السبعينات ، عشاقك الذين أبهرتهم بصوتك الجهور المتميز قائلا :"سموني وحش الفلا واسمي بن ذي يزن ، رموني في الخلاء ، وأحماني الخالق الرحمان " المسلسل الاذاعي التي تستحق عليه عن جدارة ، أن يقام لك تمثال ، بل تماثيل تليق بمقامك وانجازاتك  ، وفي مدخل كل قاعة كل مسرح أو سينما ، لتذكير الناشئة بمن أمتع المغاربة كافة على مدى سنين بلازمته " أنا وحش الفلاة الذي " .
عزاؤنا في رحيلك أيها المناضل الصلب الذي خسر الفن الصادق بوفاتك أحد أبرز عناصر النقاء والمثابرة ، هو فيما اذخرت عند ربك مما قدمت يداك من باقيات غزير إنتاجاتك ، وصالحات ما فرجت بها من كرب المهمومين الكادحين  ، الذين كانت مسرحياتك ومسلسلاتك وإيداعياتك لهم تسلية وتخفيفا من أوجاعِهم ولواعجهم ، والتي لا يسعني هنا ، إلا أن أقول في حقك ، بعد قول رب العالمين الذي : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي" ، لقد تركت برحيلك فراغا في النقاء والزهد والوفاء والتواضع والالتزام من الصعب أن يملأه غيرك بعدك ، لقد خسرناك بحق ومن الصعوبة بمكان تعويضك ، رحمة الله عليك ، وتغمدك الله بالرحمة والمغفرة .
و لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ..