بقلم الأستاذ حميد طولست
ما أغربها من أمة عربية ، وأغرب بها من
أمة ، يصاب المتأمل لحال شعوبها ، المهتم بهموم مجتمعاتها ، بقدر كبير من الذهول ،
وتضيع خيوط عقله في زحمة غيوم التوتر الخانقة المخيمة على أجوائها المزدحمة بالظواهر
السلبية ، التي أضحى المرء لا يتحمل إستعراضية وطأة قبحها الفاضح ، الذي تفرض تساؤلات
عديدة تقلق الكثير ممن فطن لخطورتها ، وتأرق كل من حاول سبر أغوارها أو إيجاد أجوبة منطقية لمسببات كثرة
النكبات التي ترزح تحت ثقلها الهادرة لطاقاتها ، والمبعثرة لإمكانياتها ، والمشتتة
لمجهوداتها ، صورة درامية لاتخلو من سخرية ، أن لا يكون توحد هذه الأمة ذات الإلاه
الواحد والنبي الواحد والكتاب الواحد ، إلا مجرد قناعات مؤقتة تفرضها قضايا وأحداث
سخيفة وهامشية كحجاب المرأة ورضاعة الكبير وتفخيد الرضيعة في فتاوى القرضاوية والحويني
، في الوقت الذي تعجز فيه وتتكاسل عن هزم قابلية التشتت والتصدع، وتضارب التوجهات،
وتنافر الرغبات ، وتفاقم التفرق بينها في كل شيء وفي كل مجال.
حتى أن المناسبة العظيمة لمولده صلى الله
عليه وسلم ، تأتي كل عام ، لتجد أمور الأمة لم تتغير، وأن ثقافة الهزيمة لازالت شائعة
في أرجائها، ومتحكمة في مواطنيها ، بل زادت حدة ضعفها وتفرق أهلها ، ومذلة أناسها ،
ومرارة إحباط رجالها ، وضجر إنسانها ، وصار لكل فريق منها شمسه ، ولكل جماعة عيد لمقدساتها
في زمن ذاعت فيه وسائل الإتصال الرقمية اللاغية للفواصل الزمانية والمكانية ، الهادمة
للحواجز الثقافية والعرقية ، بقدرات الأنترنيت والفضائيات المخترقة للحدود والأسوار
والخصوصيات .
فكيف لأمة أن ترسم بشائر تقدمها و إزدهارها
وهي عاجزة عن توحيد موعد عيد نبيها قدوتها ونبراسها الذي ينبغي أن يوقظ فيهم صحوة التوحد
، ويشعل جدوة معانقة التآخي ، فالأمة مطالبة الآن وأكثر من أي وقت مضى بأن تدخل التاريخ
بالتوحد الحقيقي الواقعي ، ليس بالدعاء الذي لا يصنع النصر كما يقولون ، ولأن العالم
لا يعترف بالكيانات الضعيفة المشتتة .
لقد آن الأوان لأمتنا إن هي أرادت أن تضمن
كرامتها واحترامها وتواجدها ، وترأب صدعها ، أن توطد العزم بكل عناد وصدق وإرادة على
لم شملها وجمع طاقاتها المشتتة ، وامكانياتها المهدورة ، وجهودها المبعثرة ، وأن يكون
عيد المولد النبوي المبارك فرصة تدشين إنطلاقة جديدة واعدة لبعث الأمل ، وتعزيز حظوظ
التحالف والإلتآم ، وتجاوز ثقافة الهزيمة والشك في الانعثاق والتحرر، الذي يفرضه صراع
الخفي الذي ظاهره مذهبي وباطنه زعامي ...