بقلم الأستاذ حميد طولست
دفع بي خبر –بغض النظر عن صحته أو زيفه
–تخصيص ميزانية ضخمة لإصلاح مراحيض البرلمان المغربي قدرت بمليار و400 مليون سنتيما
، إلى إعادة نشر مقالة كنت قد كبتها قبل اليوم بزمان ، لطرافتها
.
المقالة: المِرْحَاض و التواليت
Toilette والـWC.
و Cabinet و الكَنِيف عند البعض ، والمرافق الصحية
، أو الحمام ، وبيت الراحة ، وبيت الخلاء ودورات المياه ، عند البعض الآخر ، أو بيت
الماء ، وبيت لُوضُو ، والمِيضَا ، والكَابِينَا ، والتواليت ، عندنا في عاميتنا المغربية : كلها أسماء لمكان واحد
، يلجأ إليه الإنسان لتصريف حاجاته البيولوجية ، ويرتاح فيه بعد تخلصه من فضلاته البشرية
البول والبراز .. ويمنحه حق الحلم ، بل هو المكان الذي يمارس فيه حلمه بحرية ، والذي
يجرؤ فيه ليس على الحلم فقط ، بل على البوح بأحلامه الخاصة مهما بدت أحلامه صغيرة أو
كبيرة ..
المراحيض ، عمومية كانت أم خاصة ، هي أماكن
ينأى فيها المرء عن عناء السياسة التي تلاحقه عبر شاشات الفضائيات ومن خلال المواقع
الالكترونية ، وفي المقاهي والحافلات والطاكسيات وباقي مرافق الحياة المختلفة ، لكنها
هذه المرة، وعلى ما يبدو قد تأثرت بمتغيرات الزمان والمكان ، وسايرت هي الأخرى الظروف
العامة ، فلم تبق بمنأى عن السياسة التي ملأت على إنسان حياته ، حيث لم تعد مؤخرا تستحق
تسمية "بيت الراحة " التي أطلقها
عليها العرب ، ولم تبق هي المكان السانحة للاستراحة من جدلية السياسة العقيمة ، وتحولت
لجدل سياسي عقيم ، فرضه الواقع الممارس خارجها ، والذي أصبح الإنسان مع احتدامه ، محاصرا
به في داخلها كما في خارجها .
ربما يقول قائل أن ظاهرة الكتابة على أبواب
وحيطان المراحض العمومية ، ليست جديدة على المجتمع المغربي ، قول فيه من الصحة الشيء
الكثير ، إلا أنه فات أصحابه ، بأن كتابات الماضي ، كانت تتركز في مجملها على المشاكل
العاطفية والنكات البذيئة ،مع قليل من "السياسة "، قبل أن تجبر الأحوال العامة
القاسية التي يعاني منها المجتمع ، إلى احتلال الجدل السياسي المرتبة الأولى في تلك
الكتابات التي اكتسحت كل ابواب وحيطان المراحض العمومية ، ومراحض المدارس والمقاهي
والجامعات وحتى مراحض المساجد ، بل وأضحت تشكل متنفسا سياسيا لظهور بعض الكتابات ذات
المضمون السياسي والايدلوجي ، للتعبير عن مختلف الآراء الفكرية أو الدينية أو السياسية
أو العقائدية بكل حرية ودون تكميم أفواه ، ودون خوف ، أو تخوين أو تهويش أو تهميش أو
اتهام أو قتل ..
ورغم أني من الرافضين لهذا المسلك فإني
، وفي كثير من الأحيان ، لا أشعر بنفسي ، إلا وأنا أمسك بالقلم لأكتب ردا على ما جاء
في تعليق أرى أنه مخالف للصحة ، أو أنه مجانب للمنطق ، أو أهنئ الكاتب على عبقرية أسلوبه
المرحاضي ..
لاشك أن الأمر يبدو مقلقا في ظاهره ، وأن
البعض يرى أن مشهد تلك الكتابات لمقرف ومقزز ، ومن أبشع ما يمكن أن يتأمله الإنسان
وهو يقضي حاجته ، إلا أن البعض الآخر يرى أنه "ظاهرة صحية" ، ولا يرى غضاضة
في التوعية ببعض القضايا الحساسة ، باستغلال جدران المراحض وأبوابها ، ويعتبره ، سبيلا
للتوعية عموم الناس ، كلما استعصى عليه إيصال صوته إليهم عبر الطرق الديمقراطية الأخرى
والمُتحكم فيها ..
إن ما يحدث في مراحيضنا شهدته مراحيض بلدان
متقدمة أخرى في أزمان ماضية ، لم تكن تتوفر فيها على الحد الأدنى من الحرية و الديموقراطية ، لأن ظاهرة الكتابة على مختلف الجدران سواء داخل
المراحيض العمومية أو خارجها ، مرتبطة بقلة التمرس على الديمقراطية ، وناتجة عن عدم
توفر مرافق ووسائل تعبير المقهورين من مختلف
الفصائل والتيارات السياسية عن مظالمهم ومطالبهم المختلفة السياسية والدينية والثقافية
والاقتصادية والنفسية ، والتي تمتص في كثير من الأحيان غضب السياسيين ، وتخفف من الآثار
النفسية والصحية التي يمكن ان يتعرضوا لها في حياتهم ، كما هو الحال في الدول الغربية
، وعلى رأسها بريطانيا ، التي تنبهت إلى جدوى البوح والتعبير عن مكنون النفوس ، فأنشأت
ب" الهايد بارك" Hyde Park ما يسمى "بزاوية المتحدثين"
" Speakers Corner وهي المكان الذي يجتمع فيه المتحدثون كل
يوم أحد لإلقاء كلمة أو محاورة حول موضوع ما بكل حرية ، الشيء الذي قلل من الكتابة
على حيطان وأبواب مراحيضهم ..