adsense

/www.alqalamlhor.com

2016/12/01 - 10:55 م


بقلم الأستاذ حميد طولست


دفع بي خبر –بغض النظر عن صحته أو زيفه –تخصيص ميزانية ضخمة لإصلاح مراحيض البرلمان المغربي قدرت بمليار و400 مليون سنتيما ، إلى إعادة نشر مقالة كنت قد كبتها قبل اليوم بزمان ، لطرافتها .
المقالة: المِرْحَاض و التواليت Toilette والـWC.  و  Cabinet و الكَنِيف عند البعض ، والمرافق الصحية ، أو الحمام ، وبيت الراحة ، وبيت الخلاء ودورات المياه ، عند البعض الآخر ، أو بيت الماء ، وبيت لُوضُو ، والمِيضَا ، والكَابِينَا ، والتواليت ،  عندنا في عاميتنا المغربية : كلها أسماء لمكان واحد ، يلجأ إليه الإنسان لتصريف حاجاته البيولوجية ، ويرتاح فيه بعد تخلصه من فضلاته البشرية البول والبراز .. ويمنحه حق الحلم ، بل هو المكان الذي يمارس فيه حلمه بحرية ، والذي يجرؤ فيه ليس على الحلم فقط ، بل على البوح بأحلامه الخاصة مهما بدت أحلامه صغيرة أو كبيرة ..
المراحيض ، عمومية كانت أم خاصة ، هي أماكن ينأى فيها المرء عن عناء السياسة التي تلاحقه عبر شاشات الفضائيات ومن خلال المواقع الالكترونية ، وفي المقاهي والحافلات والطاكسيات وباقي مرافق الحياة المختلفة ، لكنها هذه المرة، وعلى ما يبدو قد تأثرت بمتغيرات الزمان والمكان ، وسايرت هي الأخرى الظروف العامة ، فلم تبق بمنأى عن السياسة التي ملأت على إنسان حياته ، حيث لم تعد مؤخرا تستحق تسمية  "بيت الراحة " التي أطلقها عليها العرب ، ولم تبق هي المكان السانحة للاستراحة من جدلية السياسة العقيمة ، وتحولت لجدل سياسي عقيم ، فرضه الواقع الممارس خارجها ، والذي أصبح الإنسان مع احتدامه ، محاصرا به في داخلها كما في خارجها .
ربما يقول قائل أن ظاهرة الكتابة على أبواب وحيطان المراحض العمومية ، ليست جديدة على المجتمع المغربي ، قول فيه من الصحة الشيء الكثير ، إلا أنه فات أصحابه ، بأن كتابات الماضي ، كانت تتركز في مجملها على المشاكل العاطفية والنكات البذيئة ،مع قليل من "السياسة "، قبل أن تجبر الأحوال العامة القاسية التي يعاني منها المجتمع ، إلى احتلال الجدل السياسي المرتبة الأولى في تلك الكتابات التي اكتسحت كل ابواب وحيطان المراحض العمومية ، ومراحض المدارس والمقاهي والجامعات وحتى مراحض المساجد ، بل وأضحت تشكل متنفسا سياسيا لظهور بعض الكتابات ذات المضمون السياسي والايدلوجي ، للتعبير عن مختلف الآراء الفكرية أو الدينية أو السياسية أو العقائدية بكل حرية ودون تكميم أفواه ، ودون خوف ، أو تخوين أو تهويش أو تهميش أو اتهام أو قتل ..
ورغم أني من الرافضين لهذا المسلك فإني ، وفي كثير من الأحيان ، لا أشعر بنفسي ، إلا وأنا أمسك بالقلم لأكتب ردا على ما جاء في تعليق أرى أنه مخالف للصحة ، أو أنه مجانب للمنطق ، أو أهنئ الكاتب على عبقرية أسلوبه المرحاضي ..
لاشك أن الأمر يبدو مقلقا في ظاهره ، وأن البعض يرى أن مشهد تلك الكتابات لمقرف ومقزز ، ومن أبشع ما يمكن أن يتأمله الإنسان وهو يقضي حاجته ، إلا أن البعض الآخر يرى أنه "ظاهرة صحية" ، ولا يرى غضاضة في التوعية ببعض القضايا الحساسة ، باستغلال جدران المراحض وأبوابها ، ويعتبره ، سبيلا للتوعية عموم الناس ، كلما استعصى عليه إيصال صوته إليهم عبر الطرق الديمقراطية الأخرى والمُتحكم فيها ..
إن ما يحدث في مراحيضنا شهدته مراحيض بلدان متقدمة أخرى في أزمان ماضية ، لم تكن تتوفر فيها على الحد الأدنى من الحرية و الديموقراطية  ، لأن ظاهرة الكتابة على مختلف الجدران سواء داخل المراحيض العمومية أو خارجها ، مرتبطة بقلة التمرس على الديمقراطية ، وناتجة عن عدم توفر مرافق  ووسائل تعبير المقهورين من مختلف الفصائل والتيارات السياسية عن مظالمهم ومطالبهم المختلفة السياسية والدينية والثقافية والاقتصادية والنفسية ، والتي تمتص في كثير من الأحيان غضب السياسيين ، وتخفف من الآثار النفسية والصحية التي يمكن ان  يتعرضوا  لها في حياتهم ، كما هو الحال في الدول الغربية ، وعلى رأسها بريطانيا ، التي تنبهت إلى جدوى البوح والتعبير عن مكنون النفوس ، فأنشأت ب" الهايد بارك" Hyde Park ما يسمى "بزاوية المتحدثين" " Speakers  Corner  وهي المكان الذي يجتمع فيه المتحدثون كل يوم أحد لإلقاء كلمة أو محاورة حول موضوع ما بكل حرية ، الشيء الذي قلل من الكتابة على حيطان وأبواب مراحيضهم ..