بقلم الأستاذ حميد طولست
من غرائب وقائع تشكيل الحكومة الجديدة
.
تكتظ تضاريس الخريطة السياسية المغربية
، مند أسابيع، بصخب وضجيج العديد من قادة الأحزاب وسياسيها ، الراغبين في الاستوزار
في الحكومة الجديدة ، رغم شحوب مردودية أغلبيتهم ، وضمور نعمة الإشراق والإبداعي السياسي
للكثير منهم ، وندرة مساهمتهم فيما يشيع الحبور في حياة المواطنين، ويعيد لهم الكرامة
المهدورة ، ويمنحهم الشعور بدفء الديموقراطية وعطر العدالة ، المميزات الواجب توافرها
في من يسعى للصدارة في أي مجال ، ويروم الريادة على مختلف الأصعدة ، واللتان هما هاجس
متبادل بين كل بني البشر ، وطموح مشروع ، وحق
مشاع بينهم جميعا ، بشرط الجدارة والاستحقاق .
فالتنافس الشريف على احتلال المراتب المتقدمة
في أي مجال ، هو أمر محمود لدى من يرومه ، ولا يحط من قيمة من يسعى إليه، ولا يخصم
من حجم الأحزاب التي تبغي به القيادة ، ولا يقلل من قيمة قادتها وزعمائها وسياسيها
الذين يريدون الرياسة ، لكن الفرق الكبير يبقى بين الرواد الجادون، الموهوبون، القادرون
، الباحثون عن وضع القدم في المكان المناسب والساحة الأكثر اتساعا لتحقيق ما يحاملون
من مشروعات جادة لخدمة الوطن والمواطن ، وبين غيرهم ممن تحولت لديهم عادة القفز على
ظهر الكفاءات ، والسعي إلى اقتناص المناصب الحكومية والاستفادة من ريع التعيينات في
مواقع القرار، إلى عقدة إدمان مرضية مزمنة، وآفة اجتماعية مقيتة ، تدفع بأغلبية مدمني
المناصب ، بكل أطيافهم، وتوجهاتهم، ومرجعياتهم - إن كانت للكثير منهم مرجعيات - إلى
التلون بتلون المواقف ، واللجوء إلى كل سبل السطو على ما لا يستحقون من المناصب ، وما
لا يستأهلون من الدرجات ، التي تفتح أمامهم أبواب البرلمانات، ومنافذ المجالس الجماعية،
وتشرع في وجوههم خزائن البلاد، وتمكنهم من خيراتها ويعبثوا بثرواتها ، مدفوعين بتملقهم
المقيت ونفاقهم اللعين ومغالطاتهم الشيطانية ، وإغراءات الوجاهة والسلطة، ومؤامرات انتحال صفات النضال، واحتكار الوطنية وهم
الذين لم يحملوا قط، عبر تاريخهم التافه، أي هم وطني أو إنساني، ولم يُظهروا أي حنكة أو كفاءة خلال كل المسؤوليات
التي قرصنوها لأنفسهم ولدويهم .
والمفارقة الغريبة القاسية والمؤلم ، والسلوك المثير للاشمئزاز والحنق ، إصرار المرتزقة الطارئين
على الوطنية ، المفطورين على الضرب بالقيم الوطنية الأصيلة عرض الحائط ، مقابل تسنم
المناصب الحكومية ، على حساب الرواد الوطنيين الجادين، الموهوبين، القادرين على إثبات
حضورهم في خدمة لوطن والمواطن ، وذلك باسم الوطنية التي أصبحوها في غفلة من هذا الزمان
الأغبر، ودون أن يدفعوا أدنى ضريبة من أجلها، الأمر الذي يعزى في عمومه لضعف الوازع
الوطني والديني والروحي و الجانب التربوي والعلمي والأخلاقي .
وأختم بالمقولة الشهيرة : "ليس كل
من أمسك بسبحة، أو لبس عباءة عمامة ، فقيه تقي نقي يخاف ربه ، كما أنه ليس كل من تغنى
بالوطن والمواطنة ، هو بالضرورة وطني صادق ..!!