بقلم الأستاذ حميد طولست
من غرائب وقائع عملية تشكيل الحكومة الجديدة
التي ينطبق عليها المثل المغربي الدارج "ماحدها تقاقي وهي تزيد فالبيض" ،
وذلك لأنه في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن المغربي حكومة في مستوى تطلعاتهم وتساير
المرحلة الحاسمة ، يفاجؤون بهجومات محمومة على أحد المُحاورِين وحزبه ، والسخرية من
عدد المقاعد المحصل عليها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، في محاولة تشويه سمعته
وتقديمه للرأي العام على أنه مبتز ومتلهف للمشاركة في الحكومة ، ما جعل حالة من الترقب
تسود صفوف فعاليات المجتمع حول ما ستؤول إليه مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة التي دعا
الملك ، إلى الإسراع في إخراجها إلى حيز الوجود بالمواصفات التي أكد جلالته في خطابه
التاريخي من دكار ، على حرصه على أن يُبتعد في تكوينها عن منطق توزيع الغنائم ، الذي
كان ولازال هو السبب الأول والأهم في خلق الكثير من النزاعات على المناصب الحكومية
، التي أخرت تقدم مسير التشكيل ، وتتسبب في فوضى خارجة عن الأطر الأخلاقية والمبادئ
الإنسانية والانتمائية ، وأثار ، بشكل أو بآخر، قلق فعاليات المجتمع المغربي والمتتبعين
للشأن السياسي ، وجعل اليأس يدخل قلوب الذين يتطلعون إلى حكومة تحدث تغييرا جذريا في
خدمة شؤون المواطنين.
لكن وعلى الرغم من الخطاب الملكي وتنبيهه
إلى ضرورة إفراز حكومة قوية منسجمة قائمة على برامج واضحة قادرة على التفاعل مع الرهانات
والتحديات الداخلية والخارجية ، بعيداً عن مفهوم الأغلبية العددية ، وإرضاء رغبات قادة
الأحزاب السياسية، المنشغلين بالتناحر والتصارع من أجل تسنم المناصب الوزارية ، وفق
شرع التحاصص ، الذي يبذلون من أجله كل ما طالته أيديهم وأذهانهم من مكر وخداع ، ما
أخرج التنافس من طور المشروعية ، إلى ماراثون الاقتتال على المآرب الأنانية والأطماع
اللاأخلاقي ، وأوصل المشاورات ، بعد أكثر من شهر من انطلاقها ، إلى الطريق المسدود
"بلوكاج" ، والصطدام بجدار النفوسٍ المضطربةً بالأطماع الأنانية ، التي يتعذر
معها تجاوز المرحلة المقلقة والباعثة على اليأس ، ويصعب اختراق "البلوكاج"
للحصول على النصاب القانوني لتشكيل الحكومة الجادة والمسؤولة ، التي ينتظرها المغاربة
كافة ويحتاجها المغرب ، والتي لا يتطلب تشكيلها ولائم تسوية تنتهي بعناق الإخوة الأعداء
، كما كان الحال مع سابق الولائم التي لم تجلب حلولا ، وإنما تحتاج فقط إلى تفعيل الخطاب
الملكي الداعي إلى نبذ الأساليب الرخيصة في تقاسم الوزارات على أساس التسويات السياسوية
: "هاذ الوزارة ليك ، وهاذي لي ، والوزارة الفلانية لفلان اللي وقف معنا وقفة
ذالرجال والأخرى لعلان ..." الحل الساذج
والمبني على سوء نية القوى السياسية وخسة مطالبها ، وتمسك بعضها بالمناصب حد مذلة الاستجداء
، ومن دون وجه حق ، وعلى حساب مصالح المواطن المسكين ، فالمسألة إذن ، ليست مجرد حكومة
تعذر تتشكيلها، بل الأمر يتجاوز ذلك إلى أزمة سياسية ربما تستمر حتى بعد تشكيلها من
أغلبية مريحة .. وذلك لأن المكلفين بذلك لم يدركوا بعد أن النجاح لا يصنع بنفوسٍ مضطربةً
بالأطماع والشهوات، وإنما يصنع إلى جانب المواهب التقنية والكفاءات العلمية ، بالنفوس
المطمئنة المقتنعة بقدراتها القليلة والبسيطة.