عام آخر ينضاف إلى عدد الأعوام التي مرت
على اليوم الذي انطلقت فيه انفاسي ، ساعية الى الوجود والتواجد في الحياة ، عام آخر
إنطفأت شمعته ليصل عدد الشموع المنطفئات إلى سبعين شمعة زائد واحدة ، إنطفأ وميضها
هي الأخرى قبل ساعات ، معلنة إنتهاء واحد وسبعين عاما من عمري ، ومذكرة بأني بلغت عمرا
لا مجال فيه للكذب والنفاق والوهم والخيال والغرور ، ولتدفع بي لتدشين مشوار عام جديد
برق نوره في سماء الأعوام الجديدة ، لستُ ادري هل سيكون سعيدا طريقه ، يملأ النجاح
مساره ، ويزخر كسابقيه باللعب واللهو والمرح والحب والعطاء؟ أم سيكون عرضة للفشل المريب
؟ لا أدري ؟ لأني لازلت والعام في أول الطريق ، وأن الزمان سيمضي فيه مكدسا بالحيرة
والتيه ، ومع ذلك ، فلن أكون متشائما ، ولن أحزن ، أو أتأسف على مضي العمر وإنقضاء
الأيام ، ولن أنتحب كما مطرب الإكتئاب فريد الأطرش على لحن أعنيته الشاحبة الحزينة
"عدت يا يوم مولدي ، عدت أيها الشقي"
لا ثم لا ، لن أبكي مع أبي العتاهية ، ولن أرتل بيته البالغ الحزن:
"ألا ليت الشبابَ يعودُ يوما .. فأخبرهُ بما فعل المشيبُ
"
لأنه ، لا البُكاء ولا النّحيبُ ، يحميا
العود الغض من اليبوس ، وسأكون متفائلا جدا كما كنت إبان الشباب وريعانه ، وسأصيح بصوت
عال وجهور ، بعد حمد الله على الصحة والعافية : "ها أنا ذا لست بالعجوز الكهل
ولا بالفتي اليافع ، لكني مازلت قويا اصارع السنين والأعوام بحيوية وعنفوان ، وأحقق الاحلام بفخر واعتزاز ،
وأنجب الأحفاد بهمة وصمود ، ضدا في كل من عاداني ، وكل من كرهني ، وكل من حسدني ، وكل
مَن أساءة إلىّ ، وكل مَن آذاني ، والذين أسامحهم في يوم ميلادي هذا ، الذي أطلب فيه
المعذرة من كل مَن تسببت له في أذى غير مقوصد أو أدية غير متعمدة ، لأنه ليس لدى وقت
أضيعه في الكراهية والإنتقام .
وأخيراً أهنيء نفسي بأهلي وأحبابي وأصدقائي
الطيبين و المخلصين ، وكل من تذكر تاريخ مولدي ، وكل من هنأني بعيد ميلادي ، وكل من
أهداني كلمة طيبة و إبتسامة صادقة ، وأقول لكل هؤلاء : أشكركم جميعا من كل قلبي الذي
لكم فيه وافر الحبٍ و كامل المودة ، وأسعد الله أيامكم ..