adsense

/www.alqalamlhor.com

2016/09/17 - 8:57 م


بقلم الأستاذ حميد الطولست
انسجاما مع ما مس البنى الاجتماعية في السنين الأخيرة من تحولات سوسيو/ثقافية /فكرية/اقتصادية عامة وسريعة بالمغرب، فقد عرف ميدان السياسة العمومية هو الآخر ، تحول مهولا في شكله دون جوهره ، وعرف تجديدات مضطردات في قاموس خطابه السياسي ، وقد تمثل ذلك التحول في المصطلحات الجديدة التي أطلت علينا من كل مكان وحتى من اللامكان ، لتشنف أسماعنا بغموضها الذي طغى على تحاليل الباحثين ونقاشات المحللين ، وتصدر أحاديث وحوارات القادة السياسيين ، وصاحبت وقفات واحتجاجات المعارضين ، وأثثت أدبيات برامج رجال ونساء الدولة والحكومة ، ظنا  منهم بأن السياسة لا تستقيم إلا باستعمالها ،  أو اعتقادا بأن خلفها أسرارا خطيرة ، فإفتتن بها الجميع، وإستماتوا في سبيل نشرها وغرسها بين الناس ، دون أن تفهم غالبيتهم العظمى معانيها المطلسمة ، أو تفقه دلالاتها الغامضة ، التي يدعون فهمها ، ويتظاهرون باستيعابها ، خوفا من أن يقال جهلة ومتخلفين عن الركب ؛ مصطلحات من قبيل الحداثة والرجعية والراديكالية والشوفينية والشفافية والتنافسية والرأسمالية والبراجماتية والميكافيلية والدغماتية والبورجوازية والبرلطارية واليوتوبيا والديمقراطية والتيوقراطية والبيروقراطية والأوتوقراطية والأيديولوجية والديماغوجية والتخليق والمقاربة التشاركية والحكامة وغيرها كثير جدا جدا من المصطلحات التي لا تستوعبها المقالة لكثرتها ..
والغريب في أمر هذه المصطلحات ، أنه رغم ما يلف مفاهيم الكثير منها من الغموض والإلتباس ، سواء من حيث المنشأ أو الهوية أو الأبعاد ، الظاهرة والخفية ، أو من حيث المعايير والمقومات ، وما تتطلبه من دراسات ونقاشات وحوارات وندوات وموائد مستديرة ، من أجل فهمها قبل "التشياربها على الله"، فإن تدفقها عرف غزارة بين العامة والمثقفين والطبقة السياسية التي تتغنى بمفعولها الخطير على واقع التدبير اليومي لمرفقنا العمومي المتأزم ، ولعل آخر مخترع من هذه المصطلحات الرنانة التي انتشرت في المشهد السياسي كالنار في الهشيم ، وتغزل بطنينها الخداع والمخادع "بوعروفات" بلادنا السياسيين  ، مصطلح "التحكّم" الذي بات مصطلحا رائجاً بقوة على سطح الممارسة السياسية ،والذي تحوّل بسرعة البرق إلى "الكلمة المفتاح" لكثير من السجالات والصراعات التي لا تكاد تنتهي بين الأحزاب القوية في البلاد ، و أضحى تهمة جاهزة يلقي بها كل طرف على الطرف الآخر، من أجل كسب نقاط انتخابية.
وبالرغم من حداثة هذا الدَّال (اللفظ) في اللسان السياسي المغربي، وارتباطه بتجربة أحزاب بعينها ، فإنه كمدلول قديم، كان يُعبر عن فحواه بألفاظ أخرى ، تؤدي نفس المعنى المتداول له، التي من أبرزها: الحزب السري، حزب الداخلية، حكومة الظل، المخزن، الدولة العميق، وغيرها من المصطلحات التي ، يعد "التحكم" إحدى سلوكياتها التي يختبئ وراءها الذين يعلقون مصائرهم السياسية على ما يزرعونه في أذهان المواطنين والفاعلين السياسيين ،على حد سواء ، من لبس وخلط بين مفهوم التحكم والقرب من المؤسسة الملكية ، الذي ينسبون لمحيطها ممارسة التحكم في اللعبة السياسية ، وجعل الفاعلين السياسيين بكل ألوانهم كراكيز يؤدون أدوارا بليدة وفي أحسن الحالات موظفين عمومين يأتمرون من جهات غير مرئية ، وذلك رغبة منهم في إبقاء الاوضاع غامضة ، ويبقي الشعب المغربي تائها عن الفشل الحكومي في تدبير الشأن العام ، وتبرير كل احتمالاته الممكنة ..
وبنظرة متفحصة يتبين أن ضجة التحكم هذه ، ما هي إلا مجرد حملة انتخابية سابقة لأوانها ، إفتعلها بعض زعماء الأحزاب الذين يأكلون "الغلة ويسبون الملة" –كما يقول المثل- والذين خافوا على مراكزهم ، بعد أن شعروا بأنه لم يعد أحد يقبل مداراة الحقائق ، وأحسوا بقرب إنتهاء آجال مهامهم ، ووشك سقوط  عروشهم ، ففكروا وقدروا ولم يجدوا بدا من طريق يسلكونه للخروج من مأزق العجز واللاشيء ، إضافة إلى أسلوب "الغوات" والتنطع والغلو والتهديد بالذبح والسلخ ، سوى تغيير بعض المصطلحاته القديمة المستعملة ، بأخرى جديدة براقة ، كما فعلوا من قبل مع مفاهيمهم ومبادئهم ، علها تعيد ما فقدوه من ثقة المواطنين الذين ضاقوا درعا من تحكمهم السياسي ، فعمدوا إلى تغيير مصطلح الاستبداد و الدولة العميقة ، بلفظ "التحكم" الذي ضخموا الحديث عن مخاطره على البلاد ، وتشكوا من أضراره على مقدساتها ، وبالغوا في الدعوة لضرورة مواجهته ، ليس من أجل مصلحة البلاد ، ولا من أجل سواد عيون العباد ،و ليس من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية في المغرب ، العدالة المادية، الفلوس، الكاش، السيولة، الدرهم والراتب والعائدات والأرباح والغذاء والدواء والسكن اللائق والتعليم اللائق لكل مغربي في المغرب العميق ،بعيدا عن الشعارات والسفسطائية والتنظير والديماغوجية والهضرة الخاوية ..
لا وألف لا ، ليست حروب الكثير من الأحزاب ، من أجل إنقاذ المواطن المغربي من فقره وجهله وبؤسه، بفرض ضريبة على الثروات وتقنين مؤذونيات الصيد في أعالي البحار ورخص استغلال الذهب والفضة والفوسفاط من ملاكها وإعادة توزيعها كزيادات في رواتب صغار الجنود والممرضين والمعلمين وصغار الموظفين ، إنما هي حروب انتخابية لأجل الكرسي.. حروب لأجل السلطة والتسلط والتملك والتغلغل والتوغل والتغول والقرب ممن يتهمونهم بلفضة "التحكم" وليمكنوهم مم الاستمرار في للاستفادة من مغانم وامتيازات دواليب الدولة .
ولاشك أن الشعب "عاق بالقالب" أي أدرك كمين "التحكم" وما يمارس يه عليه من نصب سياسي  ، وسيرد لا محالة بما يليق ويناسب يوم 7أكتوبر..