بقلم الأستاذ حميد طولست
اشك أن أذهان الناس تنصرف مباشرة إلى الزيادة
في الأسعار كلما سمعت مصطلح "التضخم" إذا لم جون التمييز بالحالة التي أطلقت
عليها ، وذلك لأنه هو المعنى الذي يعبير عن الارتفاع المفرط في الأسعار ، رغم أنه معنى
شامل وعام وليس حكرا على الميزانيات فقط ، بل يطال السياسة أيضا ، وللبرهنة على ذلك
يكفينا أن نلقي نظرة إلى الدول الاوروبية ، ونقارن بين عدد وزراء حكوماتها ، وعدد وزراء
الحكومة المغربية المنتهية مهامها وجل الحكومات التي سبقتها، لنجد أن التضخم قد طالها
، وجعلها هي الأوسع بين الكثير من الدول التي تزيد عنها في عدد السكان ، وتتميز عنها
في الدور السياسي والاقتصادي بكثير ، حيث بلغ عدد وزراء الحكومة المغرب 40 عن وزيرا
، لساكنة لا تتعدى الثلاثين مليون نسمة ، وميزانية كسيحة ، ودور سياسي ضعيف ، في حين
لم يتعدى عدد وزراء حكومة جارتنا أسبانية - والتي كان علينا السير على منوالها عملابالمثل
المغربي الدارج "دير ما دار جارك ولا حول باب دارك" -15 وزيراً وهي تاسع
إقتصاديات العالم ، وبلغ عدد وزراء الحكومة السويسرية أغنى بلدان العالم مادياً 8 وزيرا
فقط ، و إكتفت حكومة المستشارة الالمانية ميركل بــ14 وزيرا فقط لـ 81 مليون نسمة ورغم ما تحتله بين الدول الأوروبية
من دور سياسي واقتصادي متميز ، ولم تجاوز عدد وزراء الحكومة الايطالية 12 وزيرا، وبلغ
عدد وزراء النرويج 19 وزيرا ، بيما قفز عدد وزراء الحكومة الفرنسية إلى 20 وزيرا ،
وبلغ عدد وزراء الحكومة الروسية 21 وزيرا ،
واعتبرت بريطانيا أكثر الدول الأوروبية في عدد الوزراء بـ 25 وزيرا..
ما أشرت إليه أعلاه، "كوم " ، وما سيأتي ، "كوم آخر"
كما يقول المصريون ، إذا لو قارنا عدد وزراء حكومتنا بعدد وزراء أكبر دولتين على مستوي
العالم، الصين وأمريكا مجتمعتين ، فسنجد أنه 36 وزيرًا ، 18 وزيرًا يسرون الصين بسكانتها البالغة نحو مليار ونصف المليار
نسمة، و14 وزيرًا يسيرون أمريكا ، بعدد سكانها
البالغ نحو 319 مليون نسمة ، فإنه سيتبين لنا بما لا يدع مجالا للشك أو الريبة ، بأن
القضية فيها "إن" مكا يقال ، وأنها أكبر من مجرد تضخم سياسي ، وتدفع إلى التساؤل كيف لهذه الدول أن تسير أمور شعوبها الوافرة
العدد العضيمة الشان والمال ، وتصل بهم إلى أوج التقدم والازدهار والمجد ، بهذه الأعداد
الضئيلة من الوزاراء مقارنة بجحافل وزراء حكوماتنا ؟ .
إنه لأمر محير ويفتح أبواب الأستغراب على
مصرعيها ، وكيف لرئيس الحكومة ذو التوجه الإسلامي ألا تنتبه خلال تشيكلة حكومته في
نسختيها ، إلى قول الله عز وجل:"كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة" ، لما في
القلة العددية من قلة الاختلاف وسرعة الاتفاق الذي تحول الكثرة على تحقيقه ؟ ، وكيف
لم يستفد من الأمثال الشعبية التي يحفظها ويزظفها كثيرا في خطاباته ، والتي تؤكد في
كثير منها على أن النجاعة في القلة الدائمة وليس في الكثرة الزايلة كالمثل الشهير:
قليل ومداوم ولا كثير ومقطوع ".
فلو كان الهدف من تعين الوزراء هو خدمة
الوطن والشعب فقط ، وليس التهافت على المناصب ومخصصاتها ، والامتيازات والمكافآت والسفريات
والاقامات التي يتحصل عليها الوزراء اثناء وجودهم في الوزارة والتقاعد السمين بعد مغادرتها
، وكل المصاريف الضخمة التي تُغطى جميع نفقاتها من الميزانية العامة ، داخل البلاد
وخارجها ، لألزمت الروح الوطنية كل الأحزاب المكونة للتحالف الحكومي ، بعدم تضخيم عدد
الوزراء ، والإكتفت بــ 10 أو 15 وزيرا ، يزيد
وزيرا أو ينقص وزيرا ، كما وعد بذلك يوما السيد بنكيران قبل الإستوزار ، لكن وبما أن
السياسة لا تسير دائما بالأماني والوعود ، وبما أن الوطنية في القاموس السياسي والإجتماعي
والثقافي ، ربما هي غير واضحة المعالم والدلالات لدى الكثير من السياسيين وقادة الاحزاب
، وأنها عندهم حالة هلامية مشوشة ومتغيرة وفقا لمقتضيات المصلحة الشخصية ، التي هي
من يحديد معايير ومعاني الوطن والوطنية لدى الكثير من قادة الأحزاب ، ما جعل حكومة
السيد بنكيران في نسختيها تأتي بتركيبتها المضخمة لتكونها من من 2 أو 3 وزراء من كل
نوع ، وفي بعض الأحيان 3 في واحد ، وكأنه جهاز عروس فاسيه يجتوي 2على من الحاجة
، الأمر الذي حول الحكومة ومؤسساتها والإدارات والمكاتب إلى مساحات مفتوحة لممارسة
الكسل، وقلة الإنتاج ، التي يمرح فيها إلى جانب العدد المضخم للوزاء ، وجمع حواشيهم
وطواشيهم والنادبات والنائبات خصيان السلطان وجواري الخليفة وحمير القاضي وبغاله والذين
يعدون بالمئات ، والذين يهمهم جميعهم غير نهب الفلس الابيض والدولار الاخضر واليورو
الاحمر ، سيرا على قاعدة الفلس الابيض ينفع في اليوم الاسود ، والعياذ بالله عدا
فما أحوجنا إلى المسؤولين وطنيين يتصرفون
بحكمة وجدية في أصواتنا ، التي هي تعبير عن وطنيتنا ، وشفرات تعكس رغباتنا وطموحاتنا
في التجديد والتغير الايجابي المؤثر في بناء المستقبل الأفضل للمغرب والمغاربة ، قادرين
على إعادة النظر في مفهوم السلطة -خلال تشكيل حكومة ما بعد 7أكتوبر- باعتبارها تجندا
لخدمة الوطن والمواطنين و ليست وسيلة لتحقيق أهداف شخصية ، وما أحوجنا أيضا إلى إرساء
آليات الحكامة الجيدة والرقابة و المحاسبة ومحاربة كل مظاهر الفساد التي تلازم التدبير
الشأن العام ..
وأختم بالمثل الدارج : "لبس قدك يواتيك
" لأن : "اللي نقز كتر من سروالو يتقطع ليه !! وحموماتنا السابقة ،
"نقزت كثر من سراولها " لكنها الذي تمزق هو جيب المواطن ، فرفقا به ، إن
سحاب الله لقريب.