بقلم الأستاذ حميد طولست
أسطورة ذهاب القطط للحج في يوم العيد
!!
رغم ما أسقطه غربال الذاكرة من تفاصيل ذكريات
الأعياد ، المؤلم منها والطريف ، فإنه احتفظ منها بما يكفي لكي تبقي حية ، تمكن من
إستحاضر القديم منها الذي مرّ عليه الزمن الطويل ، ومن تلك الذكريات الطريفة أسطورة " ذهاب القطط إلى الحج صبيحة يوم عيد الأضحى" والتي طالما
رددتها الأمهات والجدات على مسامعنا ونحن أطفال صغار ، وشنفت مسامعنا اجاباتهن الجاهزة على أسئلتنا الطفولية البريئه حول أسباب
اختفاء القطط في يوم العيد الذي يزخر بما تحب كل القطط من لحم وشحم وروائح دم وشواء
؛ تلك الإجابات العجيبة المستوحاة من عالم الخرافة والأساطير والتي كانت وعلى مر عقود
من الزمن ، تعزو غياب القطط يوم العيد ، إلى ذهابها للحج ، ولازالت تلفحنا أمهات وجدات
إلى اليوم ، بذات الإجابات الأزلية ، التي تجد لها صدى وقبولاً ، ليس لدى الأطفال في
عمر الزهور ، وعند عموم الناس وبسطائهم فقط ، بل نجذ لها مصدقين من بين المتعلمين وحتى
ممن هم على درجة عالية من التعليم ، رغم فارق الزمان والمكان ، وتغير ظروف العصر الذي
ظننا أن الخرافة قد اندحرت معه وفيه ، أو على الأقل انحسرت مساحتها مع ما جاء به التطور
المعرفي الشامل ، وانتشار تكنولوجي المعلوميات
الذكية العارم ، لكن ومع الأسف ، لم يخف مع ذلك كله وهج الخرافة ، ولم تتضاءل مساحتها
، ولم يقل عدد المؤمنين بها ، بل لازال عددهم غفيرا ، بل وفي تزايد ضدا في بديهيات العلوم الإنسانية المبنية
على التجارب والاكتشافات والدراسات ، التي فندت الكثير من الأساطير ، ومن بينها على
سبيل المثال والمتعلقة كذلك بالقطط والتي تزعم أن " للقطط سبعة أرواح" حيث–بين
علماء بريطانيون، سبب اعتقاد الناس الراسخ بامتلاك القطط لـ”7 أرواح”، رغم أنها لا
تعيش سوى حياة واحدة كباقي الكائنات الحية ، وأرجعوا ذلك إلى قدرتها المدهشة على الالتفاف
في الهواء عند القفز من أماكن مرتفعة والهبوط بسلام على قدميها، إلى جانب تمتعها برد
فعل سريع وتوازن كبير في بنيان أجسادها وعظامها، وامتلاكها عمود فقري بعدد أكبر من
الفقرات مما يملك البشر نقلا عن “ديلي ميرور”
البريطانية ..
بكل صراحة ، ورغم الطابع الفكاهي للتساؤلات
الطفولية : أين تختفي القطط يوم العيد ؟ وما هو الشيء الذي يجعلها تهرب في هذا اليوم
الذي يتوفر فيه ما تحب من لحم وعظم وروائح الشواء ؟ فإن ظاهرة اختفاء القطط صبيحة يوم
عيد الأضحى ، الدائعة بين الناس منذ أمد بعيد ، تبقى أمرا محيرا ، وموضوعا يدفع لطرح
نفس التساؤلات رغم فكاهيتها وطفوليتها ، والتي تزداد فكاهة وتسلية ، عندما يتدخل بعض
من لديهم هوس موسوعية المعرفة ، والاعتقاد القاطع بأنهم يعرفون كل شيء ومطلعين على
كل شيء – الذين لا مكان لمفردة "لا أعلم" في قواميسهم ، ولا يتورعون عن الإجابة
على أي سؤال كيفما كان نوعه وموضوعه ، ولا مشكلة لديهم فيما يمكن أن يترتب على ادعائهم
المعرفة ، من تزييف الحقائق وصناعة الأكاذيب لفلسفة الظاهرة حسب أهوائهم وإن خالف الحقيقة
والواقع ، والتي إذا سئلوا عن برهانهم العلمي على ادعاءاتهم يحتارون في الإجابة ، ثم
يتحججون قائلين بأن هذا ما تركه لنا الآباء والأجداد! تماما كما كان يحدث في عصور غابرة
من عمر البشرية عندما كان يلجأ الإنسان لوصف الظواهر غير الطبيعية بالمعجزات ويفسرها
بالقصص الخرافية ، وهذا أمر بديهي لأنهم كانوا يفتقرون للعلم والمعرفة ، وكلنا نعلم
أنه كلما توقف المد العلمي ، أو تضاءلت مساحته ، لأي سبب ، إلا وتسيد الجهل وتفشت الخرافة
، وكلما عم العلم والمعارف ، وانتشرت والنظريات والمخترعات الجديدة ، إلا وأزيحت غشاوة
الخرافة عن العين ، وانحسرت مساحة الأساطير من عقل الإنسان وتقدم في كل المجالات
..
خلاصة القول ورغم الإجماع على أن القطط
تختفي صبيحة العيد عن الأنظار فإني أشك في صحة هذه الأسطورة ، وأن حقيقة الأمر هو أنه
ربما أننا في الواقع لا ننتبه ولا نبالي بوجود القطط من عدمه في صبيحة ذاك اليوم المشهود
، الذي ننهمك فيه بالذبح والسلخ والتقطيع وشي الرؤوس وافتراس بولفاف والدوارة واللحم،
وعندما ننتهي من التمثيل بالخراف ونركن للراحة و "نشوفو فجنابنا " كما يقال
بدارجتنا المغربية ، تظهر لنا القطط ، لتضايقنا حول موائدنا العامرة "بالشهيوان
العيدية " ، وتزاحم الفتاشا والفلاسة والشمكارا على بقايا الاضحية في الحاويات
المتخمة ببقايا طراف قطع الأحشاء المنتشرة حولها في منظر دموي مريع يبعث على الغثيان
والاشمئزاز ..