بقلم الأستاذ حميد طولست
الناس متشابهون في كل شيء ، لا فرق بين
عربي وغربي ما عدا في القيمة الإعتبارية ، التي هي أكبر بكثير لدى الغربي منها عند
الانسان العربي والمسلم ، والذي يعيش في البلاد العربية والإسلامية على الخصوص، حيث نجدها عند الغربي متربعة
على القمة بفضل إحترامه المستمر للقانون، كأسمى ما ابتكرته الحضارة الإنسانية ، والتي
تجعل منه إنسانا ذا قيمة يستحق الإحترام ، بينما هي عند الإنسان العربي أقل من ذلك
بكثير ، وينحدر بها عدم احترامه للقوانين ،
الشرعية منها والوضعية ، وانتهاكه لها ، إلى أعمق الإنحدارات ، ويهبط بها إلى قيعان
الإنبطاح بشكل مروع ، ما يجعل مدى التباعد الفج يظهر واضحا بينا بين قيمتي الإنسانين
، حيث يحسب المسؤول في العالم الغربي المتقدم لتصرفاته ألف حساب ، احتراما للقانون
الذي يمكن أن يحاسب به ويتابع إن هو أخطأ ، بينما لازال نظيره في العالم العربي والإسلامي
، لم يستسغ علاقة القانون بالحضارة ، ولم يستهويه بعد ، أن يعتقد بأن القانون أسمى
ما ابتكرته الحضارة الإنسانية ، فتراه ، بالرغم من كل ما جاءت بها تعاليم الدين الإسلامي
من وجوب إحترام القوانين ، يتوجس من كل ما هو قانوني، ويؤثر عليه القرابة ، والزبونية
، والإيديولوجية ، والطائفية والمذهبية ، والحزبية ، والمصلحة الشخصية ، والمنفعة الذاتية ، والانتهازية ، لتأكده من أنه
فوق القانون ، وأنه من رابع المستحيلات أن تتم محاسبته أو مساءلته ، ولأن المساطر المتبعة
والدعاوى فيها لا تتحرك بطريقة آلية بمجرد ملاحظة اختلالات في أي قطاع أو مجال ، كما
في باقي البلدان الديموقراطية ، لكنها تخضع لمناقشات بين جميع المكونات السياسية ،
وتستدعي تنازلات خاصة للحفاظ على التوازنات الحزبية والمصالح والفئوية، لأن القوانين
في بلاده العربية والإسلامية ، تسن للأغلبية، لكن العقاب يكون بالأقلية فقط ، ما يجعل
عدد المتعطشين للسلطة أكثر من الشعب نفسه ، ويحوّل طموحاتهم إلى أطماع غير محدودة ، ويدفع بهم إلى التخلي عن المُثل الإنسانية ،والتنكر للمبادئ الآدمية ، فيقعون في بؤرة الفساد
، ولا يتوانون عن الاعتداء على حقوق الآخرين بعد أن يصبحوا خبراء في الإبتزاز وتصفية
الآخرين.
كما يطلعنا سفر تاريخ بلاد الغرب المتصدرة
للعالم المتقدم المزدهر والمستقر ، التي لا تتسامح مع من لا يحترم القانون ، على شواهد
وقصص قادة ومسؤولين كبار ، من وزراء ورؤساء ومدراء وموظفين كبار ممن ضعفوا أمام المغريات
أو تهاونوا في تحمل مسؤولياتهم، وأخطؤوا التصرف في ما أنيط بهم من مهام ومسؤوليات ،
فقدموا للمحاكمة ، وخضعوا للمحاسبة والمساءلة
وأدينوا تم عوقبوا دون أن تشفع لهم أسماؤهم أو ثرواتهم أو مراتبهم السياسية وأوضاعهم
الاجتماعي ، تطبيقا لمقولة "العدل أساس الملك" بحذافرها
.
ومن تلك الشواهد ، على سبيل المثال لا الحصر، إدانة محكمة إيطالية لرئيس الوزراء السابق برلسكوني
في قضية احتياله على الضرائب، وإدانة محكمة فرنسية الرئيس جاك شيراك على تهم تتعلق
بالفساد المالي أثناء توليه منصب عمدة مدينة باريس، وإدانة رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة
يوليا تيموشينكو على خلفية ترسية مناقصة مشبوهة للغاز الطبيعي مع روسيا ، والحكم بالسجن
على الرئيس الإسرائيلي "موشى كتساف" لتحرشه جنسياً بامرأة يهودية ، دخل على
إثرها إلى السجن ، بعد أن عزل من منصبه كرئيس ، كما أدانت محكمة مدينة كلانكينفورت النمساوية عضو في
حكومة المقاطعة بعد إثبات تورطه في قضية رشوة -لم يدخل
سنت واحد مها في جيبه وإنما كانت عبارة عن تبرع للحزب الذي ينتمي إليه - لتسهيل
حصول روسي على الجنسية النمساوية ، واخرج بسبب
ذلك الحكم من الحكومة المحلية وانتهت حياته السياسية بالكامل.
ولا شك أننا جميعا نذكر قصة ارنست شتراسر
عضو البرلمان الأوربي عن النمسا ووزيرها السابق
في الداخلية ، كيف رفعت عنه الحصانة وطرد من البرلمان الأوربي وكذلك من حزب الشعب النمساوي الذي كان فيه رجلا بارزا
ومسؤولا كبيرا وعضوا في الحكومة الاتحادية كوزير للداخلية ، بسبب ظهوره في شريط فديو
يعترف فيه لصحفية انجليزية بأنه من مجموعة ضغط في البرلمان الأوربي وعلى إستعداد لأن يساهم في تمرير أي قانون مقابل مبلغ 100 ألف يورو.
وأكتفي بهذا القدر من الشواهد التي تصدق
على بلدان القانون التي يتساوى فيها الصغير مع الكبير أمام العدالة ، لطول قائمة الشواهد
، التي يتساءل أمامها الواحد منا السؤال المحير: لماذا لم نسمع –إلا لماما ولدر الرماد
في العيون-أن أحدا من ساستنا حكم عليه بالسجن لخرقه القانون خلال فترة تبوئه منصبه،
وتربحه من الصفقات المشبوهة أرباحا يعيش بها حياة رغيدة أمام الملأ ؟؟ بينما نرى ونسمع أن السجن والعقاب
من نصيب المواطن البسيط لأتفه ولأبسط المخالفات والجنح ، لقد يئس السؤال من الجواب
، كما يئس المواطن من مسؤولي بلاده حد القنوط
، ولا شك أن الجواب بكل بساطة هو :أن السبب فينا نحن كشعب لأننا غيبنا العقل والإخلاص
للوطن ، وفسحنا المجال لسياسيين فاسدين ، فصار مصيرنا ومصير الوطن بيد من لا ضمير ولا
عقل له.