بقلم الأستاذ حميد طولست
يحيلني ما كتبت عن موضوع التمسك بالكرسي
إلى طرح تساؤلات مهمة وخطيرة حول حقيقة إنجذاب القيادات السياسية الشرقية عموماً، والمغربية
على وجه الخصوص ، نحو الكرسي ، ووقوعها ضحية لسحره، رغم كلامهم العاطفي الوجداني عن
الديمقراطية والحريات، وخطاباتهم السياسية والحقوقية والدينية الرنانة في قضايا التعدد والتداول السلمي للسلطة ، وهل غيرهم
من سياسي الغرب وقادته ، منزهون عن ذاك التكالب
اللاخلاقية على الكراسي من مطلق أخلاقي إنساني ؟ أم هم محجمون عن ذلك ، إمتثالا
واحتراما للقوانين الضابطة لسلوكيات وتصرفات الإنسان الأوربي دون محابات أو تفرقة ؟.
ربما تكون الإجابة بالنفي صادمة لمن يرى
في الغربين ملائكة ، لكنها الحقيقة والواقع وطبيعة النفس البشرية ، لأنه وبكل بساطة
ليس هناك من يقبل بترك الكرسي برضاه ، بدافع أخلاقي فقط ، وليس إحتراما للقانون وسلطته
التي تفرض على أي كان من المسؤولين ، النزول
عن الكرسي بعد انقضاء مدة توليه القانونية ، وبالتالي فأي إدعاء بأن الأخلاق وحدها
وراء ذلك السلوك الإنساني ، هو إدعاءٌ أجوف وباطل وفاسد ، ولا وجود له إلا في عالمي
الملائكة والأساطير ، حيث أنه لو سُمح لأي
مسؤول ، في أي بلد كان من بلاد العالم - حتى
الأكثر ديمقراطية منها- بأن يخلد على كرسي
السلطة ، لما تردد لحظة ، لأن البشرية جميعاء متساوية في رغباتها المادية ، وغرائزها
البشرية ، وميولاتها الذاتية ، وتعلقها بكل ما يجلب لها اللذة والاستمتاع ، والتي لا
تستطيع الأخلاق وحدها كبح توحش شبقيتها ، ويقدر القانون على ذلك بمعية الأخلاق طبعا.
ولذلك فإن ما تحتاج إليه مجتمعاتنا -في
ظل قوانيننا الأخلاقية ، التي هي في عموميتها
قوانين أنانية - للحيلولة من طغيان هذه "الأنفلونزا "الخطيرة ، ليس
هو بناء الإنسان المثالي، ليصبح إنساناً ديمقراطياً عادلاً نورانياً أبيضاً لا يحتاج
إلى قوانين تردعه – لكون ذلك فكر طوباوي صعب التحقيق- بل إن ما يحتاج إليه هو بناء
دساتير ومؤسسات وطنية ، وقوانين قوية ، يكون الجميع تحت سقفها وليس فوقها ، كما في
الغرب حيث يركب القانون الجميع دون تمييز ، بينما القوانين في مجتمعاتنا الشرقية عامة
، فالقانون فيها مركوب من القيادة السياسية والأحزاب والنقابات ومرتزقة السياسة وسماسرة
الانتخابات وباقي أصحاب المصالح الضيقة والطفيليات الريعية ، الذين يفرغونه من قوته
، ويحدون من قدرته على الوقوف في وجه براغماتياتهم النفعية البعيدة عن القيم الأخلاقية
والوطنية والإنسانية ، الوضع الذي يفرز مشاريع ديكتاتورين صغارا ، مبرمجين على عدم
قبول فكرة التنازل عن الكراسي سلميا، ولتشبعهم بثقافة تقديسه ، والتعلق بالبقاء عليه
طويلا ؛ الرغبة التي تدفع بالكثيرين لممارسة جميع المناورات الخسيسة ، والمؤامرات البئيسة
، والصراعات الأيديولوجية الفارغة ، والخلافات الغوغائية الرخيصة ، والعصبيات الجاهلية
العمياء ، والنعرات الظلامية الاجرامية الترهيبية المنحطة ، و الفتاوى التكفيرية المنفلتة
، لخرق القوانين والدساتير ، ما يجعل المواطن المغربي يقلق على حياته ومصير ومآل سياسة
وطنه ، التي أصابها ما أصابها من سفه و نفاق اجتماعي ورياء سياسي، مع إقتراب 7 أكتوبر موعد الإنتخابات البرلمانية،
وإشتداد خطابات الدعاية الانتخابية المبكرة ، المشبعة بالإشاعة وازدواجية القول والفعل
والتهديدات سواء بالقتل وفصل الرؤوس عن الأجساد، وتعليقها بالأماكن العامة، أو بالتلميح
بإن البلاد مقبلة على الهلاك إذا ما فقدوا صدارة المشهد السياسي في الاستحقاقاتات القادمة،
أو بتبني خطاب المظلومية -الذي أنتجه الإخوان المسلمين في شرق العالم العربي منذ عشرينيات
القرن الماضي – أو بإتهام الأشباح والعفاريت والدولة العميقة ، وآليات التحكم الخيالية
المستعملة في السماح بانتشار الفوضى والعنف و السرقة و التعدي على المواطنين ، حتى
يصبح اﻷمن مطلوبا لدى المواطنين ، على حساب المحاسبة والمطالبة بالحق في الشغل أو الحد
من الغلاء بالتخفيض من أسعار المنتوجات ، عملا بالمثل المغربي الدارج : جوع كلبك يتبعك"
، والذي تقابله إحدى النصائح الطاغوتية : '' إذا ثار عليك شعبك قم بتحويل حياته إلى
جحيم، بحيث يتحسر على أيام الطغيان الخوالي'' ،
الاستراتجية التي فضحتها جوانب من
"الشعور" أو "اللاشعور" السياسي القائمة على الحفاظ على ماء وجه
الكتلة او التيار او الحزب الذي يُنتمى اليها ، إلى جانب التهرب من المسؤولية ، وتغطية
الإخفاق في الوفاء لانتظارات المواطنين ، وأختم بمقولة"لي كوان يو" الشهيرة
:"حينما يسير اللصوص في الطرقات آمنين فهناك سببين، فإما إن النظام ، لص كبير
!أو أن الشعب ، غبي أكبر" وما أظن أن الشعب المغربي غبي !!..