نقل عن موقغ الوطن ويب
عبد النبي
الشراط
بدأت
القصة حينما تعرفت عليه سنة 1996 بمكتب محام صديق بمدينة فاس خلال أحد أيام شهر رمضان
المعظم.
كان صديقي
المحامي طلب مني زيارته بفاس في أقرب فرصة ممكنة لأمر هام، كنت أعرف أن صديقي يميل
ميلا شديدا إلى السلطة، وكان قد منحني جناحا في مكتبه بالمجان من أجل اتخاذه مقرا لجريدة
منار الشمال التي كنت أديرها في أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وبسبب
ما كانت تنشره هذه الصحيفة (الأولى من نوعها جهويا في المنطقة الوسطى الشمالية) من
مقالات لاذعة، لا تقيم وزنا لأحد، مهما كان موقعه في مراكز السلطة، كان صديقي هذا يجد نفسه في حرج مع المسئولين بسبب مقالات منار الشمال
خاصة منها تلك الموقعة باسم مالكها ومديرها المسئول (كاتب هذه السطور) .
صديقي
المحامي كان طموحا جدا في الوصول إلى أي منصب حكومي خاصة وقبل اشتغاله بالمحاماة كان
مسئولا بوزارة الداخلية (قائد). فهمت من دعوته لي أن مقالا ما أثار السلطات هناك ،
وهذا شيء كان يحدث دائما..
كانت
جريدة منار الشمال توقفت عن الصدور بعدما فكرت في إنشاء صحيفة عربية قومية، وبدأت هذه
الصحيفة في الصدور تحت اسم: “الوطن” بدءا من شهر أغسطس / آب 1995.
لكن خط
تحريرها القومي العربي لم يكن عائقا أمامها للاهتمام بالقضايا المحلية والجهوية، وبالرغم
من أن إجراءات الإصدار كانت من مدينة فاس، فإن –الوطن- صدرت من مدينة الرباط لاعتبارات
متعددة، في مقدمتها أنني شخصيا لم أتعود الحياة بمدينة فاس وأن هواء الرباط يأسرني
كثيرا للعديد من الأسباب..،
وجدت
بمكتب المحامي شخصان، أعرف أحدهما ولا أعرف الثاني، الأول كان مصورا فوتوغرافيا ومن
أشراف زاوية مولاي بوشتى الخمار، دخلنا في دردشة فورية عادية، كان صديقي المحامي في
كامل نشاطه وهو يتحدث بانشراح كامل، دون أن أعلم سر نشاطه هذا… ولم يتركني أذهب بخيالي
بعيدا حيث فاجأني بهذا السؤال: هل تريد أن تتابع معركتك الصحفية مع د. مفدي؟
كان مفدي
هذا رئيسا للمجموعة الحضرية لمدينة فاس (هكذا كانت تسمى قبل تعديل القوانين الانتخابية
لاحقا وتسميتها ب: مجلس المدينة ) كانت جريدة منار الشمال شنت حملة إعلامية شرسة على
الاختلالات التي كانت تقع بمدينة فاس ويتحمل مسئوليتها مجلسها البلدي برئاسة أحمد مفدي،
وكان يسارع مفدي عبر أعوانه وموظفيه إلى جمع وشراء كافة أعداد الجريدة المخصصة للتوزيع
بمدينة فاس، وبعد ما توقفت منار الشمال حلت محلها جريدة الوطن، التي تابعت القصة مع
مفدي وسواه من المسئولين، وكان أحدث عدد صدر من الوطن يتضمن تشريحا دقيقا لحالة الجماعة
الحضرية زواغة التي كان يرأسها مفدي – بالإضافة لرئاسته للمجموعة الحضرية – وبعد النشر
مباشرة تلقت الجريدة بيانا موقع باسم نائب رئيس جماعة زواغة حميد شباط، ولم أكن أعرف هذا الإسم لأنه لم
يكن شيئا مذكورا من قبل بالنسبة لي على الأقل.
كان العدد
المذكور من الوطن تضمن إشارة إلى مقال لاحق كان عنوانه “مفدي وشباط، ليس في القنافيذ
أملس”
حينما
قدم لي حميد شباط لأول مرة من قبل صديقي المحامي استرجعت ذاكرتي… فلاحظت أن المعني
بالمقال المنشور سلفا يهم مفدي بصفته رئيسا للجماعة الحضرية زواغة، وبيان حقيقة الموجه
للجريدة موقع باسم: حميد شباط، وكان حينها مجرد نائب لمفدي… لاحظت أيضا أن الإشاراة
التي تضمنها العدد المنشور تشير إلى شباط بالإسم
فبدأت أفهم لم طلب مني المحامي الحضور على عجل… !
بدأ صديقي
الآخر – المصور – بالحديث فتوجه إلي قائلا: هذا سي حميد شباط، هو الذي يتولى تسيير
بلدية زواغة الآن، لأن مفدي تمت إقالته كرئيس للجماعة المذكورة، وهو يرغب أن يفتح معك
حوارا بشأن المقالات والمراسلات والأخبار التي تنشرها عن زواغة…
التفت
إلي المحامي متحدثا بنفس ما أشار إليه المصور وزاد قليلا…
شعرت
حينها بأن صديقي المحامي قد يكون تفاوض مع شباط بشأن ما، فباردت بالكلام متوجها إلى
شباط مباشرة !
توصلنا
منكم ببيان حقيقة حول ما نشرناه في جريدة الوطن، وقد برمجناه للنشر في العدد اللاحق،
لكن هناك ملاحظاتنا أيضا حول بيانكم سننشرها إلى جانب البيان، لكن شباط لم يكن هذا
الموضوع ضمن أولويات حديثه.. فقد طلب مني عدم نشر البيان لأنه غير مهم، وأضاف شباط:
نحن نريد أن نتعاون معك… وسنوفر لك الملفات المتعلقة بمفدي، والتي لا تتوفر عليها أنت
–لكننا سنساعدك -..
قاطعت
شباط قائلا: ومن قال أنني أبحث عن ملفات أحمد مفدي.. إن ما تنشره جريدة الوطن لا يعدو
أن يكون جزءا من مهامها في نشر الاختلالات التي تعيشها جماعتكم، وليست لنا مشاكل خاصة
مع مفدي أو شخصا آخر، وإنما نحن نتعامل في النشر مع المؤسسات سواء كان يرأسها مفدي
أو أنت أو شخص آخر…
كانت
الشمس بدأت تتوارى وتتهيأ للغروب ووقت الإفطار الرمضاني يقترب..
قبل أن
ينهض شباط ورفيقه طلب من المحامي أن يرافقني لبيته للإفطار، لكن المحامي اعتذر له على
اعتبار أنه برمج الإفطار في بيته… لكنه وعده بأن نذهب إليه بعد ذلك..
في طريقنا
لبيت المحامي سألته… ماذا يحدث صديقي ألم يكن عليك أن تخبرني بهذه التفاصيل عبر الهاتف؟
لكنني تذكرت أن صديقي له مصالح متعددة مع كل
الأطراف.. وكان قد فتح لي مكتبه بالمجان وكان أحيانا يساهم بالمال لأجل طباعة جريدة
منار الشمال، لكنه لم يسبق أن طلب مني مقابلا على ذلك، حتى النقود التي كان يقترضني
إياها كان يتنازل عنها لاحقا.. فسألته ثانية: صديقي.. هل لك مصالح مع هؤلاء (شباط وجماعته)
وتريد مني المساعدة في الأمر؟
إنني
أفهم جيدا أنه لا شيء بلا مقابل.. وكنت أفهم خلال السنوات التي قضيتها بمكتبه أنه يريد
وضعا معنويا فقط لأن إسمه كان ينشر في جريدة منار الشمال باعتباره مديرا للعلاقات العامة..
لكن يبدو
أن الوقت قد حان ليستفيد من العلاقات العامة.. فهو رجل مولع ببيع وشراء الأراضي، ولابد
أنه يملك قطعة أرض مهمة داخل تراب بلدية زواغة.. ولا بد أن يستفيد من التسهيلات.. ومن
الضروري أن تمر هذه التسهيلات عبر قناة جريدة الوطن التي حلت محل جريدة منار الشمال..
وتلك هي الحياة الدنيا هذه مقابل تلك، وأنه عليك أن تدفع فواتير الحساب ولو تأخرت..
في بيت
شباط المتواضع حينها بمنطقة بن سودة، بدا لافتا أن صورة الزعيم علال الفاسي مؤسس حزب
الاستقلال تتصدر واجهة البيت..
حميد
شباط لم يكن متأنيا فمدني على الفور ببعض المستندات التي تهم خروقات بلدية زواغة في
عهد تسيير مفدي لها.. وقال لي: نحن لا نطلب منك شيئا يتناقض مع مبادئك.. أنت تحارب
المنكر، ونحن سنساندك، خدمة للمصلحة العامة لا غير، وإذا ما تبين لك أننا مثل مفدي
فمن حقك انتقادنا، وسنعطي أمرا للمستشارين والموظفين بأن يمدوك بكافة المعطيات التي
ترغب في الحصول عليها من البلدية..إننا نمارس الشفافية أكثر مما تتصور..أضاف شباط..
وتابع
قائلا: نحن لا نبحث عمن يجمل صورتنا، ويهمنا من ينتقدنا ويوجهنا..
كان حميد
شباط قد أعد صياغة هذه الكلمات في ذهنه قبل مجيئنا أو هذا ما فهمته لاحقا..
يتميز
شباط عن غيره من السياسيين أنه يثق في نفسه كثيرا وثقة النفس الزائدة هذه أوصلته إلى
مرحلة الغرور، والغرور صفة من صفات إبليس ولذلك، وبالرغم من أنه يعلم جيدا (بعد هذه
المرحة الطويلة من العبث والمجد الزائف) أنه سينزل السلم مكرها.. إلا أن غروره يمنعه
من تصديق ذلك، وقصة شباط تشبه إلى حد ما قصة إبليس، وسنعرض تفاصيل هذا التشابه في قصة
لاحقة.
خرجت
من بيت شباط مقتنعا أن الرجل تهمه المصلحة العامة، وأنه فعلا يريد أن يغير وجه بلدية
زواغة إلى الأفضل، على عكس رئيسها المقال أحمد مفدي.. وبدأنا العمل سويا، كل من موقعه…
تحققت
الكثير من الإنجازات بفضل العمل المشترك، وبدأ الناس يلحظون تلك الإنجازات على أرض
الواقع، كان حميد شباط يستشير العديد من مقربيه، وكنت حينها الأقرب إليه.
لقد شاركته
في الكثير من الهموم الجماعية ذات الصلة بالعمل في مجلس بلدية زواغة، وشاركته حتى هموم
ومشاكل عائلته وأسرته، وقدمت له الكثير من الخدمات والاستشارات خاصة في المجال الإعلامي،
وعلى ذكرالإعلام كانت جريدة العلم لسان حزب الاستقلال تتكتم على كل شأن يهم بلدية زواغة
أو أنشطة الحزب حتى، وكان يشتكي دوما من هذا الحصار الإعلامي الاستقلالي ضد كافة أنشطته
الجماعية أو الحزبية أوالنقابية أو الخيرية.حتى
حاولت
ضمن أصدقاء آخرين فك هذا الحصار الإعلامي، وكانت جريدة الوطن تخصص حيزا من أعمدتها
وصفحاتها لنشر منجزات البلدية،وكانت هناك صحف محلية أخرى تساند أنشطتنا على استحياء،وأحيانا
كانت تنشر مقالات بالمقابل
اتجهنا لنوع آخر من الدعاية، توجناها بإصدار
كتاب: “لجماعة الحضرية زواغة في ظل العهد الجديد”
وكان عبارة عن مجموعة من الشهادات والآراء الإيجابية قيلت في حق شباط شخصيا
وجماعة زواغة، وركزنا في هذا الكتاب على شهادات من قبل المعارضين لسياسة شباط وخصومه
الإعلاميين، ومن ضمن هؤلاء: السيد عزيز اللبار (كان حينها قياديا محليا في حزب الحركة
الشعبية) وهو رجل أعمل معروف باستثماراته السياحية المتعددة بالإضافة لكونه نائبا برلمانيا،
كما حصلنا على شهادة أخرى من السيد محمد بوهلال من حزب الاتحاد الاشتراكي وصاحب جريدة
محلية.
وتضمن الكتاب شهادة للسيد عبد الرزاق أفيلال
الكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب الذي وصف شباط في إحدى فقرات شهادته
بالإبن البار… !
الكتاب تضمن عددا هاما من الشهادات والآراء،
لكن لا أحد من قيادة حزب الاستقلال (باستثناء أفيلال) أدلى بشيء في حق شباط بمن في
ذلك القيادات المحلية للحزب بفاس.
كان الاستقلاليون غير راضين على صعود نجم
حميد شباط وكانوا يحتقرون كل أنشطته، لكن رويدا رويدا، أصبح هؤلاء يقدمون الولاء لحميد
شباط، حتى أولئك الذين ينتمون لسلالة آل الفاسي، إذ استطاع شباط أن يجلبهم لصفه مع مرور الوقت، خاصة حينما بدا وضعه المادي أفضل من
قبل.
يتميز شباط عن غيره بالعديد من الإيجابيات،
لكنه سرعان ما ينقلب على الذين ساندوه وناصروه خلال المحنة فيوليهم ظهره، ويتقدم بوجهه كاملا أمام من كانوا
في الماضي يصنفون كأعداء حقيقيين له.
وهذه هي أسوأ ميزة يمتاز بها حميد شباط،
فهو ينقلب بسرعة ضد من كانوا يساندوه بكل شيء.. ولم يعد يتذكرهم حتى لدرجة أنه ينسى
أسماءهم أحيانا، وهو مازال متمسكا بهذه العادة السيئة إلى الآن. ينسى من قدم له معروفا…
ويتملق ويستلطف من يفعل به سوءا، وهناك عشرات الأدلة سنتطرق لها بالتفاصيل ونكشف الأسماء
دون أن يهمنا من سيطأطئ رأسه أمام الحقيقة أو من أراد أن يرفع رأسه بالباطل.
وإلى قصص هذا الكتاب
..