بقلم الأستاذ حميد طولست
أمر طبيعيّ أن يتيه المواطن المغربي المسيس
قبل البسيط في قراءة الانتخابات المزمع تنظيمها يوم الجمعة 7 أكتوبر المقبل ، والتي
يأمل المفكرون والمثقفون ، عبر قراءتهم لها ، أن تأتي تعبيرا عن مرحلة جديدة من تاريخ
الانتخابات في المغرب ، وشاهدا مهمّا على قطيعتها النهائية مع ما عرفته مع التجارب
السابقة -رغم النجاح النسبي الأخير.
ويراهن المحللون السياسيون ، على أن تخرج
عما عرفته في كل المرات الفائتة، إطاراً ورؤى وأفكارا، وأن تبتعد بهم عن الشعارات العامة
الفضفاضة المتشابهة والأرقام الخيالية المتطابقة والمشتركة التي جعلت من المرشحين صورا
مستنسخة برغم تعدد الانتماءات وتنوع المشارب .
ويتطلع الحالمون من المواطنين من خلال قراءتهم
الخاصة لنفس الانتخابات إلى أن تسفر على تغيير الوجوه ، وتجديد الطاقات وتعددها ، وتنوع
الكفاءات واختلافها ، من أجل تحقيق الاستقرار والأمن ومغادرة حالة العبث ، والسيطرة على غلاء المعيشة
،
بينما تجز قراءة المواطن المغربي البسيط
لهذه الأنتخابية المقبلة ، في اقتران مفارقي عجيب بين الأمل والخوف وبين التّرقب والحذر
، ويتحول معها إلى بركان من المشاعر المتناقضة والأحاسيس المتصارعة بين التوجس والإقدام
والخوف والجرأة والتّردد والحيرة والقلق وبين الأمل والثقة الحذرة مما عاشه من تجارب
انتخابية سابقة لم تأت، مع الأسف الشديد ، بجديد، ولم تُظهر أي اختلاف أو تميز بين
جل الذين خاضوا غمارها، حيث لم يتميز خلالها لا التقدمي عن المحافظ، ولا العلماني عن
الإسلامي، ولا اللبرالي عن الاشتراكي، ووقفوا بكل مشاربها المختلفة وأيديولوجياتها
المتنوعة في منطقة الظل أو ما يسمى بالمنطقة الرمادية، أي بلا لون وبلا طعم وبلا موقف،
ونسوا جميعهم ، بل تنكروا لكل المبادئ الإيديولوجية والأخلاقية وحتى الدينية
وباقي القيم الإنسانية التي أوقروا آدان الناس بضجيجها المنبعث من على منصات الدعاية
الانتخابية ، التي عمّقت الحذر ،وقللت الأمل غير المؤكدّ أصلا ، عند عامة المواطنين
، بما أنتجت من شخصيات سياسيّة حزبية أو مستقلّة ، ممن لا يحملون أفكارا تقدمية ، ولا
برامج استثنائية قادرة علميا وعملياا على معالجة كافة السلبيات الاقتصاديّة و التنمويّة
ومجابهة الأزمات الاجتماعيّة ، الذين يكتفون فقط بالشعارات التحميسية الظرفية والتعبوية
المؤقتة والمماطلة التي لا تفضي في الغالب إلى أي نجاعة إو إلى أي نقلة نوعيّة في المعيش
الحياتي اليومي للمواطن ، وتعمل على تأجيل الاستحقاقات التنمويّة العادلة ، وتأخير
ترشيد توزيع الثروة ، وتحول دون تحقيق العدالة والمساواة بين الجهات والمناطق ، الأمر
الذي يجعل المواطن البسيط يستشعر معهم بمخاطر جمة ، ويطالب بالبرامج الاقتصادية الواضحة
، والاجندات الاجتماعية ذات القابليّة العالية لتحقيق مطالبه الملحة على أرض الواقع
، من إصلاح التعليم والصحة وإنقاذ مغاربة البوادي والمساكن العشوائية، وتوفير مناصب
شغل ورفع من أجر العمال ، مقابل صوته الانتخابي
-الذي هو رسالة يعبر بها عن إنتمائه لوطنه ويعكس من خلالها رغباته وطموحاته في التجديد
والتغير الايجابي المؤثر حقا في بناء مستقبل أفضل للمغاربة - الذي لم يمنحه من أجل
إصلاح مدونة الأحوال الشخصية ، أو من أجل تاويل آيات الإرث وقوامة الرجال ،كما قالت
مايسة سلامة الناجي ، إذ أن المواطن لم يصوت على من اختارهم من أجل "قفة رمضان"
التي إعتادت الأحزاب توزيعها على الفقراء في الأحياء العشوائية المهمشة في مثل رمضان
، أو كلما كانت الانتخابات على الأبواب ، حافظا على خزّانها الانتخابي وطمعا في إضافة
أعداد أخرى من الناخبين في ظل الانتهازية الديمقراطية .
لا وألف لا ، فقد منح المواطن المغربي صوته
أملا وتفاؤلا بمستقبل أفضل للوطن والمواطنين ، وتطلعا لتحقيق التجديد والتغير ، وسوف
يفعل مع من يمثل الشعب حق تمثيل ممن فيهم البركة والحرص والوفاء ، من أبناء هذا الوطن
القادرين على تجاوز التحديات الكبيرة التي تواجهنا ، وتجديد الحياة بعزم وإصرار وإيمان
وصبر وثقة ، وبما لذيهم من رؤية وطنية، وجدول أعمال وطني واضح .وهم كثر، وما علينا
إلا البحث عنهم بوطنية صادقة ، وبهمة عاليه ، وثقة بشرفاء هذا الوطن ، وإن الانتخابات
المقبلة فرصة متاحة للجميع ، يجب تحويلها إلى الاتجاه الايجابي الذي يدفع بخيرة أبناء
الوطن ممن يحملون أفكارا وبرامج استثنائية قادرة على وأهله ، إعادة التفاؤل والأمل
إلى نفوس المواطنين الطيبة.