بقلم الأستاذ حميد طولست
ليس بالإمكان أن يبقى أحدنا في منأى عن
دورة الزمان ، أو يعيش بعيدا عن حتمية التغيير وجنونه وصلفه ؛ فالكل في تغير مستمر
، وأن سنة العيش تفرض أن نتغير .. نتغير مرارا وتكرارا ، حتى ننكر ذواتنا في صورها
الأولى ، التي كنا عليها قبل الآن .فكل شيئ في تغير وتبدل حتى الافكار والمواقف والقناعات
يصيبها التغيير هي الأخرى ، فإذا رجعنا إلى قصاصات الجرائد وما حملته من أفكار ومواقف
القادة والسياسيين، وحتى جهابدة الأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وأعدنا
قرأتها ، فإننا سنقرأها كما لو كانت لبشر غير هؤلاء ، مع أنها من إنشاء ذواتهم التي
كانوها ذات زمان ، ولم يبقو عليها اليوم بفعل ما أصابهم من تغير وتبدل
.
نستفيق وقد تغيرت قلوبنا ، وتصوراتنا ،
والقناعات التي كوناها عن العالم من حولنا ، وبتغيرها هذا ، تتغير نظرتنا للأشياء ،
ويتغير تفكيرنا في الأشياء ، ويتغير إحساسنا بالأشياء؛ فالتغيير يجتاح كل شيء فينا
إلا ذاتياتنا ، فنشتاق إليها بلا حدود ، ونحلم بريعها بلا حدود ، ونخاف على فقد مكتسباتها
بلا حدود ، فنخطط كثيرا ، ونفتعل التغيير كثيرا للحفاظ عليها بلا حدود
.
فكم إستفقنا صباحا لنكتشف أننا لم نعد نحب
من كنا نحب ، ولم نعد نكره من كنا نكره ، وأننا كفرنا بما كنا نومن به البارحة من مسلمات
، وأفكار وآراء ، لتغيرها بتغير الظرفية المكانية ، والمرحلة الزمنية التي نحياها
.
فاعذرونا فهذه بعض طباع الناس بلا حدود
، طباع ربما لم يلق عليها ضوء كاف أو لم يلق عليها ضوء على الإطلاق ، لأنها طباع خاصة
بمن يتمتعون بمقدار فائق المهارة على إخفاء إزدواجية السلوك وتعدد المعايير ، رغم أنهم
يمارسونها بتلقائية مباشرة جدا ، وعلانية مكشوفة جدا ، وتحت سمع الأعين ، وبصر الآذان
، فيبدون مثاليين في ما يقولون ، وخاصة حينما يتعلق الأمر بمصالح الأمة في خطبهم البتراء
وتصريحاتهم الصماء -عفوا العصماء - إنهم السياسيون و أشباههم ، والعديد من المنتسبين
لهم وكل من يسبحون في فلكهم ، إنهم أولئك الذين ملأوا الدنيا وشاغلوا الناس بأحاديثهم
عن الديمقراطية والتغني بممارستها ، أولئك الذين سلطت عليهم من الأضواء ما أغشى الجماهير
عن صلب سلوكهم كأشخاص عاديين والتي يكفي غضبة واحدة من أحدهم إذا ُمست مصالحه ، أو
بوح لسان أحدهم دون وعي منه لنجد أنفسنا أمام
واقع مناقض للصورة التي رسموها لنا عن أنفسهم .
فاللهم غشنا الرحمة ، وارزقنا العصمة من
هذا التغير ، وطهر قلوبنا من آفات هذا التبدل ، آمين يا رب العالمين أنك على كل تغيير
قدير.