بقلم حميد طولست
من المفروض والطبيعي في وزراء أي حكومة
من حكومات العالم ، سواء كات حكومة ذات أغلبية مطلقة ، أو كانت إئتلافية مشكلة من حزبين
سياسيين أو أكثر تدفعهم لذلك مصلحة سياسية أو رؤية فكرية متقاربة ، أن يسود بينهم نوع
من التنسيق ويدرسوا كل تحركاتهم وخرجاتهم وما يمكن أن يليها من ردود أفعال من قبل الجهات
الخارجية حتى لا يعرقلوا سير الحكومة التي يمثلونها ، الأمر المفروض حتى في الجكومات المكونة من أحزاب
غير متجانسة التوجهات ، ولا متوائمة الإيديولوجيات ، ولا يوحدها إلا حب الوصول إلى
السلطة والثبات على كراسيها ، وحتى تلك التي يكون تحالفها الهجين ناتج عن وضعية أملاها
سياق سياسي مع شركاء مختلفين جذريا في المرجعية الفكرية ، واقتضته فقط الحسابات المصلحية
والعددية في اطار ملئ الفراغ الحكومي ، وضمان أغلبية برلمانية مساندة لتلك الحكومة،
لتمكينها من تنفيذ برنامجها السياسي الذي يتطلب دائما تمرير القوانين داخل البرلمان
بأغلبية مريحة ..
لكن ذلك الأمر سقط مرات عديدة من أجندة
تحركات وزراء حكومة بنكيران الإئتلافية المشكلة من أربعة أحزاب فيها الإسلامي واللبرالي
والشيوعي الاشتراكي والذي لا لون له ، والتي تفشت بين وزرائها زلات وأخطاء وخرجات غير
محسوبة ، تعلقت في كثير منها بالبروتوكولات المتعارف عليها دوليا ، وارتطت في بعضها
الآخر بالتسرع في اتخاذ القرارات الخاطأ غير المضمونة العواقب ، وتمثل بعضها في تملص
أكثيرة الوزراء من مسؤوليات تصرفاتهم ، بحيث ينفون اليوم ما قرروه البارحة تم يعودون
لتأكيده مرات أخرى ، وكأنهم لازلوا يعيشون في زمن كانت فيه المعلومة تبقى حبيسة الجدران
التي كانت تشهد وقوعها، إلة جانب حشر "بوعرفاتهم" أنوفهم في القضايا البعيدة كل البعد عن مجال اختصاصهم
، و دون أدنى تفكير ، ليجدوا أنفسهم أضحوكة العالم ، فيما اختار الكثير منهم التملص
من مسؤوليتهم حيال أحداث ورطوا أنفسهم فيها ، لينسبوها إلى غيرهم، ناهيك عمن يدفع بهم
الخوف من بعض أفكارهم ليسارعوا إلى إطلاق تصريحات في كل حدب وصوب ليبرؤوا ذمتهم ويشرحوا
أشياء لا تستدعي أصلا للشرح –عملا بالمقولة "شرح شرح الواضحات من المفضحات"
- فيورطوهم شرحهم ذاك ، فينعكس ذلك سلبا على القطاعات التي يشرفون على تسييرها ، ومعها
الدولة المغربية أمام المنتظم الدولي.
أمر مؤسف حقا ، ويعكس مدى عدم تمرس وزراء
حكومة بنكيران ، دون الحديث عن جهل أكثريتهم بأبسط أدبيات الدبلوماسية المتعارف عليها
وطنيا ودوليا ، والتي كانت سببا فيما توالى منذ تنصيب حكومته، من موجات الزلات والأخطاء
والخرجات غير المدروسة التي طالت جميع الوزراء تقريبا ، الى درجة الوباء ، الذي نال
منه وزراء الحركة الشعبية حصة الأسد ، مما
يعطي الانطباع أن هذا الحزب يفتقد إلى التجربة في تدبير الشأن العام، بارتكاب وزرائه
للعديد من الفضائح التي هزت الحزب وشغلت الرأي العام، بدأ كم فضيحة "فاتورة الشوكلاطة"
التي تورط فيها الوزير الحركي الكروج ، وفضيحة "كراطة كأس العالم للأندية بالرباط"
التي كان وراءها القيادي الحركي محمد أوزين، وفضيحة "برلسكوني وروبي" التي
تورط فيها الوزير الحركي مبديع ، صاحب فضيحة الباكالوريا ، إلى فضيحة حكيمة الحيطي
التي أشعلت جدلا وغضبا كبيرا باستيرادها لشحنة أزبال إيطالية سبق للمحكمة الاوربية
أن أدانت بخصوصها ايطاليا ، وحكمت عليها بتعويض مادي لعدم احترامها للمعايير الدولية المعمول بها ، قضية
الأزبال التي باتت تعرف اعلاميا “بالنفايات الإيطالية”، والتي تلقاه رواد مواقع التواصل
الاجتماعي ، بالاستهجان والسخرية والمطالبة
بالإيقاف الفوري لاستيرادها حفاظا على صحة المغاربة وحماية لبيئتهم التي هي أثمن رأسمال
عند المغاربة ، والتي عرفت مع تفاعلات النقاش العمومي تداعيات كثيرة وخطيرة، منها فضحها
لانعدام التنسيق بين أطراف الأغلبية الحكومية، وكشفها لهشاشة تجانس الآراء بينها ،
والذي تجلى في دعوة رئيس فريق العدالة والتنمية عبد الله بوانو في الجلسة الأسبوعية
للأسئلة الشفهية المنعقدة زوال اليوم الثلاثاء 12 يوليوز إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق
في الموضوع ، بسبب خرق القانون المنظم للنفايات الذي ينص في مادة منه، على وضع لائحة
بنص تنظيمي للمواد الخطيرة التي يجب أن لا تدخل للمغرب، والذي تبين أن الحكومة صادقت
عليها ولم تنشر لحد الساعة في الجريدة الرسمية.
كما تمثل كذلك ذاك انعدام التوافق الحكومي
، في تقدم المكتب السياسي لحزب "التجمع الوطني للأحرار، وهو حليف في الأغلبية
بطلب الإيقاف الفوري لاستيراد هذه النفايات لما
تشكله من "خطورة بيئية وصحية"، في نفس الوقت تضامن حزب الحركة الشعبية
الذي وهو حليف أيضا في الأغلبية ، مع وزيرة البيئة حكيمة الحيطي، ملقيا بالمسؤولية
على عاتق الحكومة والبرلمان من أجل التقرير في أمر النفايات الإيطالية.
وبما أن السياسة لا تسير دائما بالاماني
ولا بالدعوات ، فلا شك أن قضية النفايات ،
عرفت وستعرف تطورات خطيرة ، بسبب تهور وقلة حكمة "حكيمة الحيطي " –كما قيل-التي
لم تكن حكيمة بما يكفي حين أقدمت على "حماقة" استيراد أكثر من 2500 طن من النفايات الإيطالية
من مدينة نابولي، ورغم ما يكتنفها من المخاوف والمخاطر البيئية المحتملة ، قبيل موعد
الكاب والانتخابات المطلة على الأبواب ، ما جعل رئيس جهة الدار البيضاء- سطات، مصطفى
بكوري، يوجه استفسارا إلى الحيطي حول قرار احتضان العاصمة الاقتصادية للأزبال الإيطالية،
التي سوغت قرارها بأن النفايات الإيطالية ستُستعمل كبديل للطاقة الأحفورية في مصانع
الإسمنت ، الأمر الذي أجج غضب منظمات البيئة ودفعها إلى مهاجمة الوزيرة "الحركية"
معتبرة ذلك "إعلان حرب ضد الشعب المغربي" كما قال رئيس "الهيئة الوطنية
لحماية المال العام بالمغرب" محمد طارق السباعي ، مؤكدا على أنها جريمة منظمة،
وبأن النفايات تضم مواد خطيرة ضد صحة المواطن المغربي ، الشيء ذاته الذي دفع بمحمد
زيان الأمين العام للحزب المغربي الليبرالي
وزير حقوق الإنسان السابق، إلى تسجيل دعوى
قضائية ضد الحكومة في شخص من إعتبرهم الحزب مسؤولين مباشرين عن هذه الكارثة البيئية
، لقبولهم استيراد نفايات سامة وخطيرة من ايطاليا لدفنها في المغرب ، وهم حكيمة الحيطي
وزيرة البيئة، وعزيز اخنوش وزير الفلاحة، وحفيظ العلمي وزير التجارة الخارجية ومحمد
عبو وزير المنتدب في التجارة الخارجية. واحمد العثماني بصفته مدير الجرف الاصفر والمدير
الجهوي لشركة مرسى المغرب، ومدير المركز الجمركي ومحمد الشعيبي رئيس جمعية مهنيي الاسمنت،
مطالبة الوكيل العام للملك ، بتطبيق القانون الجنائي، في النازلة المتمثلة في خرق المغرب
لاتفاقية “بازل ” الدولية، في تحديد مسؤوليات الدول.
وقد أجمع سياسيون وفاعلون جمعويون حقوقيون
ومهتمين بمجال البيئة ، إنطلاقا من حرصهم الشديد على حماية الحق الأساسي لصحة المواطنين
وسلامة بيئتهم، ودرئ كل ما قد يتهددهما من أضرار ، على اللجوء الى كل الوسائل القانونية،
من أجل محاسبة كل المتورطين والمسؤولين عن توقيع هذا الترخيص والسماح بدخول النفايات
الأجنبية إلى التراب الوطني،
كما فعلت العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان،
حين راسلت رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، تطالبه بتقديم توضيح دقيق وكلام شاف عما
اعتبرته تآمرا على صحة أبناء الوطن وتقديم للمصالح المادية على أرواح الناس وبيئتهم
، وإعطاء توضيحات للرأي العام الوطني والدولي بكل شفافية وصدق عن حيثيات هذه الصفقة
الملوثة وتداعياتها البيئية والصحية على المغاربة عموما وأبناء أسفي خصوصا، ليطمئن
المغاربة، وكما أبدت الشبكة المغربية لحقوق الانسان والرقابة على الثروة وحماية المال
العام بالمغرب استعدادها لرفع دعوى قضائية ضد حكومة بنكيران بسبب نفس النفايات الايطالية
، وونفس الشيء عملته الامانة العامة للشبكة المغربية لحقوق الانسان والرقابة على الثروة
وحماية المال العام خلال اجتماعها باشبيليا الجمعة 08/07/2016 مع رؤساء جمعيات مدنية
في إسبانيا لرفع دعوى قضائية ضد الحكومة ممثلة في وزارة البيئة المغربية أمام المحكمة
الدولية ، وقد قرر رئيس جمعية رجال ونساء الصحراء المغربية السيد عمار السعيد هو أيضا
مقاضاة الوزيرة المكلفة بالبيئة حكيمة الحيطي..وكل ذلك تحت شعار "المغرب ماشي
مزبلة". ومن أغرب التداعيات التي عرفتها أزبال إيطاليا هي كقاضاة رئيس جهة “كامبانيا”
الايطالية “فينشينزو دي لوكا” موقع “الرأي” الكتروني تابع لـ’العدالة والتنمية’ بتُهمة
تزوير وثائق ونسبها للجهة الايطالية حول استيردا النفايات الايطالية.
وما أظن أن التداعيات ستتوقف عند هذا الحد
، ومازال العاطي يعطي !!