بقلم الأستاذ حميد طولست
بديهي أن يجرب المرشحون للانتخابات ، أيا
كان نوعها ، أثناء حملاتهم الدعائية ، كل ما تسمح به القوانين ، وحتى الذي لا تسمح
به ، من وسائل وطرق استمالة الناخبين لصفوفهم ،
ومن الطبيعي كذلك والمنطقي أن يقوم المرشح بأي نشاط يقنع الناخبين لاختيارهم
، ولو كان ذلك بالرقص أو أكل "الهندية" أو هما معا ، نعم لقد قلت : الرقص
والهندية ، الرقص كلغة جسدية محببة إلي قلوب البسطاء ، وتعبيرا عن البهجة والفرح ،
الذي يمكن أن يكون مقبولا في الدعاية الانتخابية ، للعلاقة ، التفاعلية الموجودة بينه
وبين السياسة، التي حفل التاريخ البشري بأمثلة كثيرة من القضايا التي يتداخل فيها الرقص
بالبعدين الاجتماعي والسياسي ، حيث يعطي الكثير من الناخبين أصواتهم لمن يجيد
"الرقص"
وقلت : "الهندية " أو"أكناري"
في اللغة الأمازيغية ، والتين الشوكي"و"الصبار"و "الزعبول"
و "كرموص النصارى" في باقي اللهجات المغربية ، الفاكهة ، التي كانت إلى الأمس
القريب تعد أكلة البهائم ، والتي من المستبعد ، بل ومن المستحيل أن تستميل الناخبين
لمنح أصواتهم للذي يأكل أكبر عدد من حبات "الهندية" لقصور فعل إلتهامها على
قارعة الطريق وعند "كراريس" باعتها المتجولين ، على التأثير في الناخببن
وتوجيههم ، وهذا لا يعني أني أقر الرقص في الدعاية الانتخابية ، وأستهجن أكل الهندية
-التي تعرفه إجماعا منقطع على قيمتها الغذائية والتجميلية الفريدة، سواء عند العامة
أو المختصصين في التغذية- فكليهما وسيلة بدائية للدعاية ، يستبطنان الكثير من استحمار
للناخبين ، وتبليد للمصوتين ، وتناف كبير مع هيبة الوزراء وقادة الأحزاب الراقصين ،
وإساءة للمؤسسات التي يمثلونها ، والمواطن الذي من المفروض أن يمثلوه ، وخاصة بعدما
تحولت معهما الدعاية الانتخابية من وسيلة لإقناع الناخبين بالمنجزات المحققة ، والمشروعات
التنموية المستقبلية ، إلى مهرجانات شعبية ومواسم أولياء ، احترف فيها الرقص والتبندير،
وإلتهام "الهندية" لجمع ولاءات الناس وأصواتهم.
فهل إقناع المواطنين المغاربة بحاجة لكل
هذه الحركات والاستعراضية الفلكلورية البدائية ، المتمثلة في الرقص وأكل "الهندية"
، ؟؟ أم هم في حاجة للكثير من الاحتياجات الإنسانية البعيدة عن أعمل الخير الاستعراضية
التي يفقد معها الخبر أثره وتأثيره .
فلو تلمس الراقصون والراقصات ، الآكلون
"للهندية " والآكلات ، ، وبإنسانية ، احتياجات المواطنين الفعلية ، لتوصلوا
إلى أن المغاربة ليسوا بحاجة لرقصهم ولا "لهنديتهم " ، ولعرفوا أن حاجاتهم واحتياجاتهم هي -رغم فقرهم المدقع – أرقى وأسمى
من كل ما يتباهون بتوزيعه ، أثناء حملاتهم الانتخابية، من زيت وسكر وأرز وصابون وعلب سردين ، وهم يتبسمون لكاميراتهم بطريقة لا
انسانية ، وغير لائقة ، وجارح للكبرياء.
إن ما يحتاج إليه المواطن المغربي ، وبشكل
دائم، هو الرعاية والعناية بكافة شؤونه البدنية والنفسية والاجتماعية ، وباقي الاحتياجات
الحياتية بكل دقائق أحداثها ومجرياتها الإنسانية ، التي تترك في النفوس آثارا واضحة
على مدى العمر صحيا ونفسيا وسلوكيا.
إنه بحاجة لمشروعات تنموية دائمة تحفظ كرامته
، وتقيه شر العوز وشر "الحكرة" اللا انسانية .
إنه بحاجة للدواء والعلاج وأجور المستشفيات
وكلفة العمليات الجراحية ، وثمن نظارات لتصحيح نظرة ، وسماعات الاذان، وعلاج لأسنانه ..
إنه في حاجة لمصاريف كافية لمتطلبات دراسة
ابنائه وبناته في الجامعات المغربية - إلا إن كان رايكم أنه لا ضرورة لتعليم أبناء
الشعب، كما لمح لذلك السيد الوزير التعليم الداودي بقوله : "اللي بغا يقري ولادو
يحك جيبو "..
أظن ، بل أنا متأكد بأنه عندما عرف الراقصون
وأكلة الهندية ، أن جاجات المغربة الأساسية تكمن فقط في هذه الأفعال الجليلة والأعمال
الكبيرا المهيبة ، وتلك الخدمات الجادة التي تصون ، وتؤمن المستقبل ، وتضمن الامن والامان
، وتطمئن على مصير الأهل والأولاد ، من شغل وسكنة ومدارس ومستشفيات وطرقات ، عندها
وبدون شك ، سيكفون ، ومباشرة عن رقصهم الاستعراضي "البايخ" ، ويتوقفوا عن
إلتهامهم "للهندية" التي يمكن أن تغص بها حلوقهم ، أو أن تأخذ بعضهم للمستعجلات ، لأنها فاكهة "غدارة" كثيرا
ما أفضت بآكلها -غير المتعود على أكلها مثلهم - إلى المستشفيات
..
أتمنى ألا يتكرر رقص الراقصين وأكلهم
"للهندية" خلال الحملة الانتخابية القادمة في السابع من أكتوبر القادم، و"يشوفوا
غيرها" كما يقول المصريون في أمثالهم ، أوكما تقول الفنانة نجاة عتابو :
"شوفي غيرو" أما إذا عادوا مرة أخرى إلى مثلها ، فليعلموا أنهم بذلك سيتحولون
من أصحاب قضية إلى قضية تحتاج إلى معالجة.