بقلم الأستاذ حميد طولست
يقول أندري جيد : تجرأ أن تكون نفسك .
اصعب معركة في حياة الإنسان ، هي أن يدفع
بك من يسمون أنفسهم بالفقهاء كذبا وعلماء الدين زورا ، إلى أن تكون ، وباسم الدين ،
شخصا آخر غيرك ، يلعب دور الأبله في عالم غزت شعوبه الذكية المتنورة المجرات البعيدة
، وقلبت موازين الطبيعة ، بما ملأت به الدنيا من تطور وتقدم وانجازات علمية نفذوا بسلطانها
إلى أعالي السماوات ، كما في قوله سبحانه و تعالى "انفذوا لا تنفذوا إلا بسلطان
" ، سلطان العلم الذي لا يؤمن به رجال الذين المتشددين ، الذين غرروا بالناس ودفعوا
بهم للإيمان بمعجزات بول البعير ، ورضاعة الكبير، وعدم جواز ركوب المرأة الدابة وجلوسها
على الكرسي ، دون تدبر أو تفكر ، ضدا على كل ما يفرضه الدين القويم والمنطق السليم
، من وجوب تفكير الإنسان بعقله ، والمشي وراء قلبه ، والتمسك بمبادئه ، وأن يكون على طبيعته ، و لا يأبه لغيره ، حتى
وإن أصبح وحيدا ، وسط جمع يمشي عكس سبيله ، فالوحدة أفضل له من أن يعيش عكس نفسه لارضاء
غيره ، ولأن الحياة أقصر من أن يهدرها قلقا على مشاغل الدنيا ، كبيرها وصغيرها ، وأعظم من أن يقضيها في طلب رضا الاخرين ، وأكبر
من أن يمضيها في تقليدهم ، لأنه لا أحد يستحق أن يُتصنع من أجله ، خاصة هذه النوعية من الشيوخ والدعاة ، الذين كلما
زاد تقبل البسطاء لخزعبلاتهم الغبية ، ازداد يقينهم بأنهم أفضل من غيرهم في كل شيء
، وأكثرهم إسلامًا من سواهم ، وأعمق صِلةً بالله جلّ وعلا .
ليس ما سبق فلسفة فلاسفة ، وإنما هي صورة
واضحة وجلية لأوضاع القهر الديني والنفسي الذي بخطط له اشر الخلق واصحاب الغايات ممن
يدعون تمثيل الله ، ويعملون على الحفاظ عليها والدفاع عن بقائها من اجل شرعنة منطق
استغلال الإنسان وبطرق احياناً فيها عدوانية وفيها تصريف لشتى انواع الأمراض والعقد
النفسية والاجتماعية من منطلق " البقاء للأقوى وليس للأصلح
"..
اوردته في هذه الخاطرة ، حتى نتعلم منه
كيف نتعامل مع ما تعلمناه من ديننا وتربيتنا وتجارب حياتنا ، ليس بهدف هدم الدين أو
السخرية من رجالاته الأتقياء ، كما يروج الذين يؤمنون بأن "من تمنطق تزندق
"، بل بهدف إثرياء الأخلاق ، وإغنياء القناعات ، وتمتين المبادئ ، ونفض غبار الخرافة
ومحو التشدد اللذان أصبحا اليوم أساس التحكم في علاقة الناس بربهم ، وتقويم طرق تواصلهم مع خالقهم ، والتدخل في لباسهم
ومظهرهم ، وطريقة تفكيرهم ومعتقداتهم وإهتماماتهم وحتى نواياهم ويفرضون عليهم نوعية
من المناسك المزاجية والطقوس المنسباتية ، التي لا صلة لها بالإسلام ، والتي يعتبها
المتشددون هي العبادات المثلى لتقرب العبد من ربه ، وليس الرحمة والمحبة التي امر بهما
الله سبحانه وتعالى المصحوبة بالتفكر في خلق السماوات والأرض و النظر في كل شيء ، من
اختلاف الليل والنهار ، والسماء كيف رُفعت ، والأرض كيف سطحت ، والجبال كيف نصبت ،
إلى التدبر في النفس والإبل كيف خُلِقت ومما خُلِقت؟
لقد تهنا في أمرنا كمسلمين ، بين عصبة التكبير
التي تقام للتجميع للصلاة طلبا للسلام والسكينة التي يجلبها التكبير في دواخلنا ، وبين
الله أكبر التي أصبحت دعوة للقتل والدم والعصبية والطائفية والكراهية ، حتى بات الأمرُ
مهزلةً تُضحِكُ العالمَ فينا وتُبكي السماء علينا! .
فإلى متى سكوت النخب المثقفة في الأمة على
هذا الوضع الموبوء بالكراهية التي لا تجلب خيرا ولا تنبت حبا ، لا يزيده السكوت إلا
قوة وتماديا ، كما قال علي بن أبي طالب : "حين يسكت أهل الحق عن الباطل ، يتوهم
أهل الباطل أنهم على حق" ، فيتمادون في إقامة الدنيا على تقصير ثوب الرجال وإطالة
لحاهم ،على أنه تقليد للنبي ومن سنته صلى الله عليه وسلم ، بينما السنه في تقليده فيما
إنفرد به وتميز من أمانة وصدق وكرم وشجاعة
و حلم وثبات على الحق وحب للعدل وكراهية للظلم ، وكل ما تحلى به صلى الله عليه وسلم
من مكارم الأخلاق التي قال فيها الله سبحانه: "وإنك لعلى خلق عظيم" حيث لم
يمتدحه تعالى بلباسه ، ولكن امتدحه بخلقه ، أصل الأسوة ، و أساس التقليد ، و جوهر السنة
..