بقلم الأستاذ حميد طولست
مع اقتراب شهر رمضان ، ترتفع قابلية الاستفتاء
لدى المغاربة مثلهم في ذلك مثل باقي الشعوب الإسلامية والعربية الأخرى، وكأنهم على
موعد مميز مع جميع أشكال الفتاوى الغريبة والمثيرة، والصاخبة المضحكة، التي يرغوي ويزبد بخرافاتها- في مثل هذه المناسبات الروحية - مدمنوا
الفتوى، من فقهاء حفظوا ببغاويا، بعضا أو كثيرا من القرآن، وأطلقوا لحاهم لتغطية وجوههم
البائسة، مستغلين كل مخترعات الغرب الكافر، وتقنياته في الاتصال والتواصل المتطورة
-التي يحرمونها- من أنتيرنيت وهواتف ذكية وفضائيات عالمية ، ليفتوا عبرها بما يجوز لمسلم وما لا يجوز له ، ناشرين التخلف
والاستحمار بين العوام وحتى المتعلمين ، ما أنتج وفي المجتمع ، طبقة من المتعلمين المتخلفين
، والمثقفين المستسلمين ، تضاهي الجهلة في الغباء والبلاهة والتخلف والجبن، والسطحية
، لا يملكون من المؤهلات غير بعض المصطلحات الفقهية التي يوظفونها بأفق ضيق، وفكر محدود،
للتأسيس لهوية جديدة للنكوص والتخلف والتراجع، وتكبيل كل الأعمال الفنية من رسم ونحت
وتصوير وموسيقى وغناء، وغيرها من أنواع الإبداع
الفني الذي يفرضون عليه عقوبات أخروية تتوعد الفنانين بأصناف من العذاب الجهنمي.
طبعاً ليست المُشكلَة في هذه الفتوَى أوتلك
، لأنها كلها من بين ملايين الفتاوى التي تطلع علينا مع شروق كل يوم وغروبه، والتي
لا تخرج جلها عن نطاق باقي الفتاوى التي لا يمكن فلسفتها أو شرعنتها أبداً، لبعدها
عن معالي الأمور وأشرافها واهتمامها بسفاسف
الأمور، التي نهى عنها نبينا عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الطبراني في
الكبير والأوسط، وصححه الألباني والذي قال فيه: "إن الله يُحب معالي الأمور وأشرافها،
ويكره سفسافها "، أمثال فتوى محمّد الزغبي في جواز أكل لَحْم العفاريت، وفتوى
للدكتور عزت عطية أستاذ بالأزهر في رضاعة الكبير، وفتوى الأستاذ الزمزمي في ممارسة
الجنس على الزوجة الميتة، وفتوى جواز زواج القاصرات، وفتوى تفخيد الرضيعة، وفتوى مضاجعة
الميتة، وفتوى تحريم الجلوس على الكراسي، وفتوى تحريم قيادة السيارة على المرأة، وفتوى
تحريم مشاهدة التلفاز، والفتوى التي أصدرتها لجنة كبار علماء السعودية التي تحرم التظاهر
والاحتجاج والخروج على الحاكم بأي صورة من الصور، وغيرها كثير جدا.
لكن المشكل اليوم في كون هذه الفتاوى المأزومة
والمتقرحة التي اكتسحت الأمة وتوسعت فيها توسع النار في التبن، هي ضد كل معاني الحياة
المدنية والدينية والأخلاقية، حيث أنها لا تساير في مجملها عصرا منفتحا على كل شيء
في كلياته وجزئياته، بإيجابياته وسلبياته وبصحائفه وسطوره، وأنها لا تتفق مع مقاصد
الذين الإسلامي وبحثه عن مصلحة الإنسان المسلم واحترام آدميته، وكونها صيغت لاستغلال
المستضعفين الجهلة المغلوب على أمرهم، والواقعين تحت حكم تسلط المتطفلين على الحقل
الديني، الذين يلغون العقل ويحتكرون التفاسير ليستمر الظلام ويتشرب الشارع المغربي
، بثقافة القطيع ومزاجية وأوامر شيوخ الفتوى الذين نصبوا أنفسهم قضاة شرعيين على الناس
كأوصياء على الذين ، لا تحركهم معاناة المقهورين وعذاباتهم مع الظلم والفقر والمرض
، والجهل ،والتهميش ،والإقصاء، ولا تؤرقهم حماية الإنسان وتحسين ظروفه المسودَّة، وآفاقه
القاتمة ،بقدر ما تحركهم السلطة وإمتيازاتها
المتوحشة .
ربما يقول قائل ، لا يهمك، فالكثير من تلك
الفتاوى لا أثر يذكر لها على الأرض، ولا يمكن لها أن تخلق رأياً عاماً في المجتمع.
لكن العقلاء يرون أن في السماح بمثل تلك الفتاوى التي تم تلبيسها غطاء الدين خطورة
كبيرة على المجتمع الذي تنتشر فيه، فهي وإن لم تستطع تكوين رأي عام، فسرعان ما تصبح
كيانا مقدسا داخل الدين لا يتجرأ احد على انتقاده أبدا، وتبقى، مع الأسف، أداة للتشويش
على الأفكار، وغلق الوعي بالخرافات التي يفرض بها حماة الدين المظلـِّل على الأمة العربية
والإسلامية نبذ كل ما يمت للعلم والحضارة والثقافة والتفتح بصلة، والرجوع إلى ثقافة
ما قبل التاريخ المؤسسة على الدجل والخرافة، التي تقود المجتمعات إلى مرحلة ما بعد
التخلف بعد أن عاشت مرحلة التخلف كاملة، في الوقت الذي يبحث فيه الآخرون عن مرحلة ما
بعد الحداثة، بعد أن عاشوا مرحلة الحداثة كاملة ، الأمر الذي دفع بالشاعر للتندر على
الأمة العربية بقوله:
أغاية الدين إن تحفوا شواربكم**يا أمة ضحكة
من جهلها الأمم.