بقلم الأستاذ حميد طولست
ليس غريبا أن يتعرض أحدنا لمقلب من المقالب
، وتنطلي عليه خدع المحتالين ، لكن الأغرب هو أن يوقع الواحد منا نفسه بنفسه في شراك
مقالب ما، بإرادته ، وكأنه نصب لنفسه "كاميرة" خفية ليوقع نفسه في فخها
.
لقد عشت قبل أيام ، مقلبا حقيقيا - ومن
منا لم يكن في يوم من الأيام عرضة لمقلب أو خدعة ماكرة ؟؟ - لا أدري إن كان كوميديا
أو تراجيديا ، لكنه غير مصنوع ولا مزور، ولا مفبرك السيناريو ، وغير متفق مع أبطاله
على تمثيل أطواره ، من أجل التهييج والإضحاك ، كما هو حال الكثير من برامج المقالب
التلفزيونة التي عرفت انتشاراً واسعاً خلال السنوات الأخيرة ، والتي تفنن أصحابها بأفكار
غريبة ، وفنية عالية ، وتقنيات جد متطورة ، للإيقاع بضحاياهم والتلاعب بمشاعرهم ، لا
يهم منتجيها من الضحية ؟ ولا على حساب من يُبني نجاحهم ؟ كل ما يهمهم ، أن ينجحوا في
تحقيق أقصى المشاهدات.
لقد كانت بداية المقلب ، الذي لم أتخيل
يوما أني سأواجهه ، مع إشتهائي للدلاح أو"البطّيخ" ، كما يسميه إخواننا هنا
في مصر، والذي هو أكثر الفواكه الصّيفة شعبيةً لديهم ، وأكثرها انتشاراً في كل أسواقهم
الشعبية ومحلاتهم التجارية ومولاتهم الفاخرة - تماما كما هو حاله في أسواقنا في المغرب-
والذي قررت إقتناء دلاحة لأروي بها العطش الناتج عن شدة حرارة أجواء القاهرة المرتفعة
جدا .
دلفت محلا تجاريا* Supermarche وطلبت من أحد الباعة به مساعدتي في إنتقاء
واحدة من بين أنواع الدلاح المعروضة في رواق الفواكه والخضر ، فأشار علي بواحدة ، مؤكدا
على أنها الأفضل والأحلى .
عدت بمشترياتي وعلى رأسها "الدلاحة
"التي سارعت مزهوا إلى فلقها نصفين ، وكم كانت المفاجأة صادمة ، والصدمة مؤلمة
، حين وجدتها صفراء فاقع لون لبها ، فثارت ثائرتي وجن جنوني ، ليس تحسرا على ما دفعت
من جنيهات ثمنا لها ، لكن لاعتقادي –وبعض الظن إثم-أن عامل المحل التجاري ، قد استغفلني
لكوني غير مصري ، وباعني دلاحة صفراء ، "قرعاء" كما في دارجتنا المغربية
" دلاحة قرعة"، أي غير ناضجة ، والتي عرف عادة تجار الدلاح على إستبدالها بأنضج منها .
كانت ردة فعلي والتي لم تختلف عن ردة أفعال
إي ضحية مقالب ، قوية ، -لا تمثل ، في الغالب الأعم ، أخلاقهم أو أفعالهم الطبيعية
في الحالات العادية- حيث غمرني شعور بالخيبة والغبن و"الحقرة" وإنفعلت انفعالا شديدا ، وعدت مسرعا للمتجر ، رغم بعد المسافة ،
وواجهت مساعد التاجر بوابل من اللوم الحاد
، وإتهمته بالخداع ، والكذب ، والغش، والنصب، والاحتيال وتعمده بيعي "دلاحة قرعة"
شاهرا شقها في وجهه ، تدخل رجل تبدو على ملامحه علامات الوقار ، قائلا في لباقة وتأدب
: هدئ من روعك يا بييه ، الأمر لا يستحق كل هذه النرفزة !! زادت حدت غضبي وصحت في وجه
الرجل الوقور بدارجتنا المغربية : أسيدي رخف علي ، راه حشالي "دلاحة قرعة"
ملي عرفني ماشي مصري، لم يثر إنفعالي وغضبي الرجل ، بل زاد من عرض إبتسامته اتساعا
، وسألني في هدوء : الباشا من أيها بلد؟؟ لاشك أنك من المغرب ، مضيفا : أجدع ناس ، وإحنا
بنحب المغربة كثيرا ، وبنحب ملككم أوييييييي ،تم أشار علي بمصاحبته إلى مكتبه ، عرفت
ساعتها أنه صاحب المحل ، وتبعته ، بعد أن خف حنقي وقل توتري .
دلفنا المكتب ، وقبل الجلوس صاح : حاجة
ساقعة للبيه المهندس ، تم توجه إلى بالحديث وابتسامته تزداد اتساعا ، يا باشا تلك البطيخة
ليست قرعة ، كما تخيلت ، هنا شعرت بالغضب يعاودني ، وصحت في وجهه : هي انا كذاب ؟ اشوف
آسيي واش هاذي صفرا ولا خضرا ، أولا أنا مريض بعمى اللوان ؟ رد والابتسامة لا تفار
شفتيه : لا لا ما عاد الله يا باشا، لا عاش من يقول ذلك يا دكتور، الأمر وما فيه ،
هو أن البطيخة أو الدلاحة كما تسمى عندكم في بلادكم الطيب والجميل، هي بطيخة مستوردة
من آسيا يا بيه ، وهي من نوع البطيخ الأصفر ، فلا غرابة أنيكون لبها أصفر اللون ، وهي
يا دكتور ، غير الدلاح البلدي البلدي الأحمر المعروف عندنا وعندكم ، وأنه كلما زادت
صفرتها ، كلما ارتفعت نسبة حلاوتها أكثر، فهل تذوقتها يا باشا ؟ أجبت بالنفي ، فأمر
بسكين ، ومدني بقطعة من لبها الأصفر ، كم كان
مذاقه حلوا ومميزا.
وكم كان خجلي كبيرا أمام لطف ولباقة صاحب
المحل ، حتى أني لم أجد في قاموس لغتي ما يفي بإعتذاري وتأسفي له على تصرفي الأهبل
بسبب ما إعتبرته ، شمتة .