بقلم الأستاذ حميد طولست
تسييس الجماعات المحلية لفريضة الحج والعمرة
!!
غريب أمر قوافل المعتمرين من أهل الثقة
ومحظيي موظفي الجماعات المحلية ، الحضرية منها والقروية، والموالين من المنتخبين ،
الذين يتوجهون إلى بيت الله الحرام ، على نفقة ميزانيات الجماعات المقتطعة من جيوب
فقرائها والمحتاجين بدوائرها.
والأغرب منه تردد الكثيرين منهم مرات ومرات
على الديار المقدسة ، حتّى غدى ذلك أسهل لدى بعضهم من زيارة تفقدية للإطلاع على أحوال
ومشاكل الأحياء التي يمثلون ساكنتها ، والتي هي أقرب إليهم من مكّة المكرمة ، والوصول
إليها أقلّ تكلفة بكثير مما يكلّفه الحج أو العمرة ، وأكثر أجرًا وثوابًا منهما ، لما
فيه من ثواب تحمل أمانة المسؤولية وأجر القيام بالواجب ، اللذان أمر الله سبحانه وتعالى
بأدائهما حتى يشمل خيرهما الأرض والبشر.. أمّا غيرهما من العبادات كالصلاة والصوم والعمرة
والحج على أهميتها ، فلا تقدم إلا نفعا فرديا يعود على من يمارسها -إذا خلصت نيته وصدق
إيمانه وسلم دينه- دون أن يشمل غيره .
لا شك أن ظاهرة كثرة المعتمرين والحجاج
على نفقة الجماعات المحلية ، هي ظاهرة غير طبيعية ومقلقة بكل المقاييس ، وخاصة حين تصل لدى بعض رؤسائها ، إلى درجة التسيب في التعامل
مع منح الحج وإكراميات العمرة ، التي سقطت في هوة إرضاء نزعات الطمع وحب الإستحواذ
والسيطرة النرجسية ، ونحت نحو العاطفية والفئوية والتحزبية ، وتحولت إلى العبث بمقدرات
البلاد وأموالها العامة، وكأنها إرث شخصي ، يـُنعمون به على من يـُريدون لتمثين الولاءات
، وينفقون منه على المتنفذين لتوفير الحماية والاستمرارية في المنصب ، ويمنعونه عن
المعارضين لإرغامهم على الخضوع والتبعية ؛ والأكثر إزعاجا في الظاهرة ، هو صمت المجتمع
المدني حيالها ، وغفلة الصحافة عنها ، وتراجع الدولة ، أو على اقل تقدير، "إسترخاؤها"
في تطبيق القانون في نوازلها ، وسكوت الأحزاب السياسية عنها ، وهم يعرفون جميعهم بأنها
مؤامرة سياسية ممنهجة ، متخفية تحت عباءة الدين ، تستحوذ عليها نزعات الطمع وحب السيطرة
والنرجسية ، وتخوض في المال العام ، بالتبذير فيما لا يرضي الخالق والمخلوق ، وأنه
من الخطأ تركها تتمدد في أوصال الجماعات المحلية بلا رقيب ودون تصد لمضارها في وقت
تعيش تلك الجماعات أوضاعا كارتية ، تستلزم حسن تدبير الموارد لمواجهة البؤس والفقر
الذي يضرب كل مرافقها ، وحتى تبقى الأموال العامة سليمة ، يمكن الانتفاع بها إلى أقصى
حد في إنشاء وتحسين وترميم المرافق العامة التي تمتلكها الأمة كلها ، من طرقات ، وحدائق
، ومدارس ، وجامعات ، ومستشفيات ، ويشعر المواطن
بملكيته لها ؛ لأنها أقيمت بأموال الأمة ، التي هو جزء منها
.
ما يجعلني أعتقد أنه لا حاجة بنا لهذا السخاء
الحاتمي ، المتمثل في منح الحج واكراميات العمرة التي توزعها الجماعات ، والذي هو في
حقيقته –كما سبق أن ذكرت- صرف للأموال العامة فيما لا فائدة فيه ، وتذبير سيء لأوضاع
المواطنين .
أتمنى ألا يُفهم من مقالتي هذه ، أنني ضد
شريعة الحج أو العمرة ، وأتهم بتأييد بتسييس
فريضة حج بيت الله الحرام كما فعلت إيران، بدعوى أن الحج یصبح غیر واجب ، إذا لم يصن
للحجاج الإيرانيين العزة والكرامة ، حسب تصريح
المرجع الديني الإيراني، "آية الله ناصر مكارم شيرازي" ، والمرجع الدیني
"آیة الله حسین نوري همداني ، فيجب أن يعلم القارء الكريم أن مشاعري نحو الحج
والعمرة ، تهتز كباقي المسلمين ، وتتحرك نحوهما عواطفي ، وأرغب كأغلبية المؤمنين الصادقين
، في أن أجد نفسي يوما في رحاب ذاك المقام المقدس "بيت الله الحرام" - محرما
مع المحرمين ، طائفا ساعيا بين الصفا والمروة مع الطائفين الساعين ، واقفا بجبل عرفات
مع الواقفين الملبين الطائعين -على نفقتي الخاصة ، لأن الحج واجب على كل مسلم مستطيع
مرة واحدة في العمر، لقوله تعالى : "ولله على الناس حج البيت من استطاع* إليه
سبيلا ، وقوله صلى الله عليه وسلم : "بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا
الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع
إليه سبيلا..
هوامش ــــ*الاستطاعة : هي أن يكون المسلم
صحيح البدن ، يملك من المواصلات ما يصل به إلى مكة حسب حاله ، ويملك زاداً يكفيه ذهاباً
وإياباً زائداً على نفقات من تلزمه نفقته .