بقلم الأستاذ حميد طولولست
يقول صلى الله عليه وسلم : "تبسمك
في وجه أخيك صدقة"، لما للابتسامة من إيجابيات كثيرة ومزاياها عديدة ، يصعب على
إحصائيات العالم قياس دفأها ، لكونها اللغة الوحيدة التى تفهمها جميع الشعوب دون ترجمة،
لما تحمله من معلومات قوية تستطيع التأثير على العقل البواطن للإنسان ، والنفاذ ، دون
إستئذان ، إلى أعماق نفسه ، وادخال السّعادة على قلبه المفجوع ، وبلسمة جراحه العميقة،
، وانعاش أعضائه ونشر الارتياح بدواخلها ، ومنحها الأمل والتفاؤل
.
رغم أن الابتسامة هبة من الله عز وجل للطبيعة
البشرية، وسلوى من همومها ، تفتح مغلق علاقاتها الإنسانيه وتذيب خلافاتها مع الغير
.
ورغم ما للابتسامة من المزايا والفضائل
الكثيرة -التي وهبها الله عز وجل للطبيعة البشرية – التي تسلي الإنسان عما يتعرض له
من ضغوط الحياة المعاصرة -على قصيرها الذي لا تستاهل هدرها في البكاء على أي شيء -
المتشابكة المزعجات ، المعقدة المُنغِصات ،
نجد في مجتمعنا ، مع عظيم الأسف ، من يعمل - ربما عن غير قصد منه- على زعزعت
ثقة الناس في مفعولها السحري ، الذي أقرته الشرائع والأعراف ، وذلك عبر بعض السلوكيات
المجتمعية السلبية ، ممثلة في عبارات التيئيس ، التي يزخر بها قاموس التعامل المجتمعي
عندنا ، والتي يرددها ،القريب قبل الغريب، على مسامع كل إقترف الإبتسام ، فتأسر إرادة
التبسم لديه ، وتثبط الرغبة فيه عنده ، وتقيد تطلعه للبشاشة ، وتعمق الإحساس بالضعف
على اقترافها ، وتجعل منها فعلا مشكوكا في فعاليتها وعواقبها ، عبارات تبدو بسيطة طريفة في ظاهر منطوقها ، لكنها
خطيرة في تأثيرها على المتلقي ، بما تحمله بين طياتها من مدلولات قادر على التسلل ،
دون استئذان ، إلى أعماق المعني بها ، فتغير رؤيته لفعل الإبتسام ، وتجعله ينظر إلي
الإبتسامة نظرة يائسة بائسة ، تؤثر سلبا على شخصيته ، وتعظم آلامه وأوجاعه، وتحوله إلة كائن هش منكسر.
فإذا نحن ألقينا نظرة على كيفية تعاطي المجتمع
عامة ، والأسر والعائلة والوالدين ، على وجه الخصوص ، مع الإبتسام مع الغير عمة ومع
الأطفال خاصة ، فإننا ندرك حجم المأساة التي نزرعها بيننا وفي أولادنا عن غير قصد،
والتي تشب معهم وتترسخ في مبادئهم وأفكارهم، فتغير نظرتهم للعديد من الثوابت ومن ضمنها
نظرتهم للابتسامة ومفعولها ، الذي ساهمت ماديات العصر ، وعولمة القيم ، وتعدد الوسائط
، إلى تحويلها إلى نكتة ورمزا للقيم البالية المتجاوزة ، وإلى فعل مشكوك في غاياته..
ومن تلك العبارات ، الطريفة والخفيفة ،
المرهقة والهدامة للنفوس ،في نفس الآن ، المسؤولة على التغيير الجدري ، الذي لحق بمنظومة
القيم الإنسانية ، والتي كانت وراء كتابتي لهذه المقالة، اسرد بعض مما اتسقر منها في
ذاكرتي من عهد الطفولة ، رغما عني، وكادت ،
أن تجردني من هذه النعمة التي من الله بها على الإنسان ، رحمة به
.
فكثيرا ما نسمع الرجل الشعبي يقول لمن يجهد
نفسه حتى يكون بشوش المحيا ، باسم الوجه ، الين الكلام ، تحببا وتلطفا مع الناس ، إيمانا
منه بأن الإبتسامة هي الطريق الاقصر الى قلوب الاخرين : تيضجك غير على خلاها ،
ثم كثيرا ما نسمع الأخ يقول لأخيه ، جهرا
أو همسا أذا جاءه مبتسما : آشنو باغي عاود ثاني ؟
كما تقول الأم لإبنها إذا هو أبتسم لها:
آشنو درتي ثاني آآلمسخوط ؟
أما إذا تبسم الإبن لأبيك فيقول له : ماعندي
فلوس يا المفلس ، فين الي عطيتك البارح ؟
وحين
يبسم أحدهم للغريب فيقول له : واش كتعرفني ؟
وإذا أنت تبسمت تأدبا أو مجاملة لأنثى ،
فيتهمك بالتحرش وقلة الأدب وتقول لك : غير خلي ضحكتك عندك ، راكم عيقتو!!
وإذا تبسمت لمسؤول في ادارة ما، فينهرك
قائلا : خلي الضحك را الإدارة وقبط الصف !!
وإذا حدث وأوقفك شرطي مرور ، وتبسمت في
وجهه تأدبا ، فيواجهك بقوله : عطيني لوراق وما تضحك لي ما نضحك ليك
!!
أما إذا كنت دائم الإبتسامة فتسمع من يقول
عنك ، ضاحك على خلاها !!
أما إذا اعترتك لحظة سعادة في مجتمعك البائس
البئيس ، وتبسمت لنفسك ، تعبيرا عن متعة، أو سعادة ، أو تعجب ، فستسمع من يقول عنك
: مسكين "أهبيل" تيضحك غير بوحدو !!
ما جعلنا نقتنع أننا في الشعب لا يستحسن
الإبتسامة إلا بعد الموت فيقول ؟ سبحان الله مات وهو مبتسم !!
الرحمه يا بشر ، كفوا عن مثل هذه السلوكات
السلبية ، والعبارات المحبطة ، رغم طرافتها ، واعلموا أن الابتسامة واجب اجتماعي ودرب
من دروب المناعة النفسية ..