بقلم الأستاذ حميد طولست
من طبع الناس وطبيعتهم أن يتآنسوا ويتجالسوا
ويتسامروا ، وغالبا ما تعترض محطات أنسهم ومواضيع أحاديث جلسات سمرهم هفوات وزلات ألسن
تخرج من أفواههم ، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، على شكل عبارات وصياغات قد يكون فيها
اعتداء أو إساءة لبعضهم ، خاصة حينما يطلق بعضهم الكلام على عواهنه دون ضابط ولا تفكير
ولا تأن ، فيخطؤون القول ويسيؤون التعبير ، الذي قد يطول وقوفهم عنده أو يقصر، حسب
مدى ملكة إدراكهم لخطورة إنعدام آداب الكلام ، الذي إذا عم بينهم ، صارت لقاءاتهم مجلبة
للشحناء والعداوة والبغضاء ، التي نادرا ما يغض المجتمع النظر عنها ، وقليلا ما يعفو
عمن لا يتقي شر الوقوع في مثيلاتها ، من الناس البسطاء العاديين ، فما بالك إذا كان
الذي يطلق اللسان على سجيَّته دون قيد ، من ذوي السلطة والمركز المرموق الذي يحتم عليه
شرف المنصب ، ألا يكونوا ضعاف الادراك ، ولا قليلي التجربة والحذق، ويتخذوا من هفوات
وزلات الغير دروسا يتعظون بها ، وعبرا يلجمون ألسنتهم بها ، حتى لا تنطلق من عِقاله
، كالحصان الجامح يرتع في حقل الزلات ، كما هو حال رئيس الحكومة المغربية الذي إعتاد
أن يطلق للسانه الحبل على الغارب ، ينطق بما يشاء ، وهو يعلم أن "اللسان عور وما
فيه عظم" كما في المثل الشعبي المغربية ، اذا ما أطلق عنانه ، صال وجال في عالم
الهفوات مراكما الزلات ، مسقطا صاحبه ، أحيانا كثيرة ، في الأخطاء السياسية والديبلوماسية،
والبروتوكولية، وخلق له الصراعات المجانية والهامشية ، وعرضه إلى موجات من الانتقادات
اللاذعة ، وعواصف من التعليقات الساخرة ، والمواقف السياسية الرافضة لكل محاولات إستغباء
المجتمع ، التي تستبطنها ما يقع فيه من زلات متعمدة مقصودة ومقولبة ضمن تقنية محبوكة
في خطاب سياسي مغلف بعفوية شعبوية مصطنعة ، لاستمالة المتلقي أيا كان وأين ما كان،
والتي بدأت مند تولي السيد بنكيران رئاسة الحكومة مع أولى زلاته: "عفا الله عما
سلف" وغيرها كثير من الزلات التي على ما يبدو أن بعض الوزراء تأثروا بها ، من
خلال نوعية الخطاب الذي رافق رئيسهم في الحكومة – وإن كان لا يليق بمركزه كرئيس للحكومة
وكأمين عام لحزب العدالة والتنمية، وكرئيس سابق لحركة الإصلاح والتوحيد - وبدؤوا يقلدونه
، بحثا عن لعب دور المهرج السياسي، عملا بالمقولة الشهيرة : "الناس على دين ملوكهم ،
أو رؤسائهم" ، ما فاقم وباء زلات الألسن التي انتقلت عدواها لتصيب لعنة الكبوات
والهفوات والزلات الكثير من وزراء الحكومة ، من كبوة "شرفات أفيلال" بــ"جوج
فرانك"، وهفوة الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء و البيئة حكيمة
الحيطي التي تعمل 22 ساعة في اليوم ، وزلة وزير التشغيل عبد السلام الصديقي "سراح
بنادم"، إلى ادعاء السيدة بسيمة الحقاوي وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية
الاجتماعية ، في تصريحها الغريب واللافت للانتباه الذي قالت فيه بأن المغرب ليس بلدا
فقيرا و ليس به فقراء ، مستدلة بأرقام واحصائيات تقول أن ليس ثمة من يعيش في المغرب
بأقل من دولارين في اليوم ، وما تلاه من ردود أفعال شرسة عبر مواقع التواصل الاجتماعي
، أعادت المسألة الاجتماعية إلى صلب النقاش العمومي ، وكشفت عن النواقص المترتبة عن
المقاربات السطحية لملف الفقر ، وفضحت التناقضات المكشوفة التي سقطت في تصريحات السيدة الوزيرة وتصريحات قادة حزبها
العدالة والتنمية حول ظاهرة الفقر ، أيام المعارضة ، وما أصبحت عليه اليوم إزاء نفس
الظاهرة التي يفضحها الفيديو، الذي يعود لحكومة
“عباس الفاسي” عام 2010، حيث يظهر “الحسن الداودي”
وهو يُهاجم الوزيرة التقدمية حينها “نزهة الصقلي” حول نسبة الفقر بالمغرب في ـ9 في
المائة، ليُعلق ساخراً في مداخلته، مع مقارنة الأرقام التي أعلنتها “الصقلي” بالسويد،
اسبانيا، ايطاليا وبلدان أوربية أخرى ، التناقض الذي كان في الغالب وراء تراجع الوزيرة
الحقاوي عن تصريحها الأولى ، في مقطع فيديو جديد غيرت فيه تصريحها كليا ، وذلك بعد
ردة فعل الشعب المغربي الذي عبر عن غضبه الشديد في تدوينات فيسبوكية تسخر من كلامها
و تنتقدها . أنظر الفيديوهات: