قضية "مي فتيحة "نموذجا.
بقلم الأستاذ حميد طولست
هناك مقولة مغربية شهيرة تجزم بأن
"بلاد الذل تنهجر" أي تهجر وبكل الطرق والوسائل، للفرار من متاهات البطالة،
وغياب فرص العمل، والانتظارية القاتلة ، التي أوصلت الشباب إلى حالات عالية من اليأس
والتيه اللذان عجلا بارتمائهم في أرحام قوارب الموت الهشة والمتهالكة، وتسليم أجسادهم
الطرية إلى لهيب النيران المحرقة ، احتجاجاً على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المزرية
، باضرام النار في الأجساد الآدمية ، موضة القديمة الجديدة، التي كانت معروفة مند القدم
في الكثير من البلدان الأسيوية ، وعلى الخصوص عند الصينيين واليابانيين والتايلنديين،
الذين اعتاد المحتجون منهم ، إشعال النار في أجسادهم في الميادين والشوارع العامة للتنديد
بأمر ما ، كما فعل تكاوي هيموري" عام 2001، الذي أضرام النار في نفسه من أجل دعم
حقوق الشعب الفلسطيني بهذه الوسيلة الاحتجاجية المأساوية والمجنونة في فحواها ، المجرمة
في رمزية لهيبها الذي شب في جسد شاب تونسي مفرد معزول ومنه امتد إلى هشيم النظام التونسي،
ومنهما إلى حكام الكثير من الأنظمة العربية الأخرى التي لا تحترم إنسانية مواطنيها
وتسومها الجوع والظلم والهوان.. وقد أصبحنا نسمع ونقرأ ونرى في السنوات القليلة الأخيرة،
صوراً كثيرة لهذا النوع من الإحتجاج باضرام النار في الأجساد الآدمية ، ينتشر ، بل
وتغزو بلادنا ، حيث غدا العديد من المواطنين ، يشعلون النيران في أجسادهم ، كلما ،
مست كرامتهم ، أو أنتهكت حريتهم أو قلت لقمة
خبزهم أو تضنت عليهم الحياة بأبسط الحقوق ،
كما فعلت "أمي فتيحة" بعد أن أقفلت أمامها كل الخيارات الاجتماعية والحياتيّة
، فأضرمت النار في جسدها ، تيمنا بمحمد بوعزيزي الذي تحول إلى رمز وصاحب نظرية في إشعال
الغضب ضد الظلم والتسلط ..