بقلم الأستاذ حميد طولست
تابع :
ومن مظاهر الأسلمة الجديدة إستخدامنا جملة
"إن شاء الله" في كل وقت وحين، وفي كل المناسبات حتى غير المناسب منها. نستخدمها
على نحو خاطئ في التعبير والرسم. فالكثير منا لا يعرف الفرق في الكتابة بين "إن
شاء الله " و"إنشاء الله".
فقد جاء في كتاب شذور الذهب لابن هشام أن
معنى الفعل إنشاء أي إيجاد ومنه قوله تعالى " إِنَّآ أَنشَأنَهُنَّ إِنشَآءً
" أي أوجدناها إيجادا. لكن عند كتابة " إنشاء الله " يعني كأننا نقول
أننا أوجدنا الله تعالى عز وجل. أما الصحيح هو أن نكتب "إن شاء الله" لأن
هذا اللفظ يعني تحقيق إرادة الله عز وجل، فقد جاء في معجم لسان العرب معنى الفعل شاء،
أي أراد.. فالمشيئة هي الإرادة فعندما نكتب "إن شاء الله" كأننا نقول بإرادة
الله نفعل كذا..
والشائع أننا طبقنا قول "إن شاء الله
" على كافة مسارات حياتنا ولكن بمفهوم مقلوب كما هي في واقع حياتنا "المشقلبة"
والفوضوية بكل ما تعنيه من السلبية في الواقع العملي وليس من واقع تفسيرها القرآني.
فعكسنا إنكسارات حياتنا في كافة النواحي على استخدامنا ل" إن شاء الله "
حين وضعنا هذا القول في سياق اصطلاحي تبريري ظاهره الإيمان، لكن استخدامه الفعلي والعملي
يعني السلبية أو التسويف أو الاستثناء، بل نفي الفعل أو كما نقول بالعامية " اقلب
وجهك " أو "مييك". ما تسبب في وقوف عقارب الساعة، أي ألا تسير القطارات
التي تنطلق بمواعيد ثابتة وألا تمخر السفن عباب البحر حسب البرامج الوقتية المعدة لها
وألا تطير الطائرات حسب الجداول الزمنية وألا يذهب الموظف والعامل إلى مواقع عملهما
والا نذهب للمدارس والجامعات وألا نخترع ونبتكر الجديد ولا نضع الخطط التطويرية الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية والعلمية ، أي أن نفسر كل حياتنا السلبية بأنها مشيئة الله لأننا
نحب أن نريح أنفسنا من السعي في الحياة وتطويرها.
إن خطر هذه الظاهرة لا يكمن فقط في تلك
الكلمات المنتمية إلى لفظة "أسلمة" التي نضعها فوق كل شيء فتفعل فيه فعل
السحر، بل هو في تلك الثقافة التي تتولد عنها، والتي لا تنبع خطورتها من كيانها الفكري
فحسب، بل من كونها قادرة على التحول لحالة تضليل و خداع للذات فرضت نفسها فوق أرض الواقع
بابشع الصور، مؤثرة في حياة وسلوك المجتمعات والشعوب الإسلامية محولة الممارسات والتوجهات
الاجتماعية والفردية والجماعية إلى ممارسات و توجهات فاسدة تستنزف الجهد و الطاقة.
فمتى تستطيع شعوبنا التحرر من أغلال التخلف
و التخبط و التنطع في الدين؟!!. ومتى نعتق مجتمعاتنا من هذا الوهم لتبدأ السير، ألم
تنظر إلى الأمم الأخرى لتشاهد كيف تطورت و تقدمت سياسيا و اقتصاديا و علميا و حضاريا
دون أن تضع يافطات "التنمية المسيحية" ولا "التنمية اليهودية"
و لا غيرها، لأن التنمية في حقيقتها ليست لها هوية دينية. ألم ير شيوخنا ودعاتنا -كمثال
حي على ذلك- كيف حقق الصهاينة حلمهم المصطنع
في إقامة دولة كانت حينها نوعا من الطرفة او التنكيت، من مجموعات مشتتة عبر العالم وفي عدد من الأمم والشعوب؟
بعد أن رسم لهم دهاقنتهم في السياسة الصهيونية خطط مستقبلهم وحددوا لهم أهدافهم الاستراتيجية،
ورسموا التكتيكات لإنشاء دولة لهم على أرض في قلب عالمنا العربي والإسلامي، وفي أقدس
بقعة من بقاع الأرض قاطبة ، وفي غفلة من شعوبنا التي لا تتطور ، و لا تتقدم إلا نحو
"لوثة الأسلمة"، حققت تلك الطغمة أهدافها وزادت عليها أضعافا مضاعفة، وشكلت
دولتها وصهرت مجتمعاتها كلها في مجتمع صهيوني واحد، وأحيت لغة منقرضة كانت طي الكتب المقدسة، وبنت جيشا من أقوى الجيوش
في العالم..
وإنه لما يؤسف له حقا غياب الرشد عن واقع
التنمية في مجتمعاتنا فمعظم التنمية الإسلامية يقصد بها تنمية الهرطقات وحشوها في أدمغة
المسلمين، حتى تنتفخ فلا تنتج على أرض الواقع سوى التخلف و الضياع ، وتبقى التنمية
البشرية بمفاهيمها الحقيقية غائبة عنها تماما ، التي برر مثقفونا العربي غيابها بغيبيات متخلفة و تفكير
خرافي ، انتشرت انتشارا وجد من مثقفي التبرير تشجيعاً ومؤازرة واتفاقاً أو توافقاً
إلى أن أصبح في حكم السائد ، الذي يعتبر رفضه وعدم الاعتراف به ، خروجاً عن الملة وتهمة
تأثيم وتكفير.. كيف نستعيد نقاء إسلامنا وصفاء عقيدتنا ومثقفونا أول من كف عن تمثلها
واختاروا النقل بديلاً عن العقل والتبرير بديلاً عن التفكير!!؟؟