بقلم الأستاذ حميد طولست
بعيدا عن الذين يعتبرون أن الاحتفال بعيد
الأم عمل مخالف لشريعة الله وما تعارف عليه السلف الصالح ، وأنه بدعة وضلالة وتشبه
بأعداء الله ، منشؤه من غير المسلمين ، احتفل بعض العالم قبل يومين بالأم ، ذاك الكائن
الدافق بنبض المودة والحب وكل صيغ العطف.. والحنان ، وسيحتفي بعضه الآخر فيما يأتي
من الأيان بقدر ومقدار من أعطت من دمها وجسدها وروحها وفكرها وأحاسيسها بدون مقالبل
، ليحى غيرها ، تلك الإنسانة العظيمة التي قال فيها الله سبحانه وتعالى: "ووصّينا
الإنسان بوالديه حَملته أمه وَهْناً على وهن، وفِصاله في عامين أنْ اشكر لي ولوالديك
إليّ المصير " لقمان ، بكل ما يحمل قوله جل وعلا ، من دعوة للاحترام ، وحث على
التقديس ، لأنها كل شيء في الحياة ومعظمه ، والأولى بِالإِكْرَام وَالإِحْسَان والتقديس
الذي فرضته كل الشرائع السماوية والوضعية ، وقد اختلف الأمم والشعوب على تاريخ الاحتفال
بها ، وتفرق الناس في أسالبب ونوعية الاحتفال، كل حسب آلياته وتوجهاته، لكنهم اتفقوا
جميعهم على هدف واحد ، لم يخرج عن وجوب البر بذاك الكائن الرائع وتبجيله، لما له من
فضل ومكانة على الجميع .
حيث نجدهم في النرويج يحتفلون بها في الأحد الثاني من فبراير،
بينما يحتفي بها في الأرجنتين في الأحد الثاني من أكتوبر، وفي لبنان في اليوم الأول
من فصل الربيع ، أما في فرنسا والسويد فيحتفل بها في الأحد الأخير من مايو ، ويحتفل
اليابانيون بالأم في يوم الأحد الثاني من مايو مثل أمريكا الشمالية، ويفعل نفس الشيء
سكان جنوب أفريقيا لكن في الأحد الأول من نفس الشهر.
أما في مصر التي بدأ بالاحتفال بعيد الأم
بها مند سنة 1956 ، فقد اختير يوم 21 من مارس
أول أيام فصل الربيع؛ ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة.. ولا شك في أن
فكرة عيد الأم قد خرجت من مصر إلى البلاد العربية الأخرى..
وقد كان أول إعلان رسمي عن عيد الأم في
الولايات المتحدة غرب فرجينيا ولاية أوكلاهوما سنة 1910، ومع عام 1911 كانت كل الولايات
المتحدة قد احتفلت بهذا اليوم، وفي نفس الوقت دخلت الاحتفالات كلاً من المكسيك، وكندا،
والصين، واليابان، وأمريكا اللاتينية وأفريقيا ، ثم وافق الكونجرس الأمريكي على الإعلان
عن الاحتفال بيوم الأم رسميا في العاشر من مايو سنة 1913، وقد اختير يوم الأحد الأول
من شهر مايو للاحتفال به.
ولاشك أن هذا الاختلاف البين في مواقيت
الاحتفال بهذا الكائن الملائكي، وطرق ونوعية الاحتفاء به، ليس بالأمر الجديد ، كما
يظهر ذلك من تاريخيته، حيث يزعم بعض المؤرخين
أنه بدأ عند الإغريق مع احتفالات عيد الربيع، التي كانت احتفالات مهداة إلى الإلهة
الأم "ريا" زوجة "كرونس" الإله الأب؛ كما كان هناك في روما القديمة
احتفال مشابه مخصص لعبادة أو تبجيل "سيبل" –أم أخرى للآلهة- وقد بدأت حوالي
250 سنة قبل الميلاد، وهي احتفالات دينية عند الرومان وكانت تسمى "هيلاريا"
وتستمر لثلاثة أيام من 15 إلى18 مارس .
ويقال أن الاحتفالات التي كانت تقام لعبادة وتكريم
"سيبل" الرومانية بُدِّلت من قبل الكنيسة باحتفالات لتوقير وتبجيل مريم،
وهذه العادة بدأت بحَثِّ الأفراد على زيارة الكنيسة التابعين لها والكنيسة الأم محمَّلين
بالقرابين، وفي عام 1600 بدأ الشباب والشابات ذوو الحرف البسيطة والخدم في زيارة أمهاتهم
في "أحد الأمهات" مُحمَّلين بالهدايا والمأكولات. أما في الولايات المتحدة
الأمريكية فكانت "آنا. م. جارفس" (1864-1948) هي صاحبة فكرة ومشروع جعل يوم عيد الأم إجازة رسمية
في الولايات المتحدة، وكانت ابنة للدير، تدرس في مدرسة الأحد التابعة للكنيسة النظامية
"أندرو" في جرافتون غرب فرجينيا، وكانت شديدة الارتباط بوالدتها فلم تتزوج
قط لتبقى بجانبها، وبعد موت والدتها بسنتين بدأت حملة واسعة النطاق شملت رجال الأعمال
والوزراء ورجال الكونجرس؛ لإعلان يوم عيد الأم عطلة رسمية في البلاد، وكان لديها شعور
أن الأطفال لا يقدرون ما تفعله الأمهات خلال حياتهم، وكانت تأمل أن يزيد هذا اليوم
من إحساس الأطفال والأبناء بالأمهات والآباء، وتقوي الروابط العائلية المفقودة