adsense

/www.alqalamlhor.com

2016/03/19 - 9:17 م



بقلم الأستاذ حميد طولست
العمل التطوعي مطلب من متطلبات الحياة المعاصرة التي أتت بالتنمية والتطور السريع في كافة المجالات ، ويعد حجم الانخراط فيه رمزاً من رموز تقدم الأمم ورقيها ، الذي كلما زاد إلا وازداد معه انخراط مواطنيها في العمل التطوعي الفاعل الذي تمليه الأوضاع والظروف الجديدة للحياة الاجتماعية وتطور الظروف المعاشية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والتقنية المتسارعة ، التي تقف الحكومات ، أحياناً كثيرة ، عاجزة عن مجاراتها ، والتي أثبتت التجارب أن بعض أجهزتها لا تستطيع تحقيق كافة خطط ومشاريع التنمية دون المشاركة التطوعية الفعالة للمواطنين وجمعياتهم الأهلية التي تسهم في عمليات التنمية ، نظراً لمرونتها وسرعة اتخاذ القرار فيها ، ما جعل الكثير من الدول المتقدمة تعتمد عليها  ، في منظومة رائعة من التحالف والتكاتف بين القطاع الحكومي والقطاع الجمعوي ، لحل الكثير من المشاكل ، والعديد من الظروف الطارئة ، الأمر الذي ودفع بدول أخرى ، إلى جعل التطوع إلزاميا ، لمواجهة الطلب المتزايد على الخدمات الاجتماعية نوعاً وكماً.  وفتفرضه -كما هو حال كسويسرا مثلاً - على الذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية ممن هم في سن 20-60 سنة ، لما في العمل التطوعي من رفع لمستوى الخدمات وتوسيعها ، ولأن أداء المتطوع أفضل بكثير من أداء الموظف والعامل المدفوعي الأجر .
فما أحوجنا إلى مثل هذا القرار لتوفير الخدمات ، التي يصعب ، في الكثير من الأحيان، على العديد من الإدارات الرسمية  توفيرها للمواطنين – تهاونا ، أو تقصيرا ، أو تملصا ، أو لظروف فوق طاقتها – ما جعل المشاكل تتزايد متشكلة تحدياً صارخا للجهات الحكومية المسؤولة على توفيرها ، وأصبح الوضع يتطلب وجود جهات مساندة لها، ويستدعي تضافر كافة جهود المجتمع المدني و الهيئات التطوعية الشعبية به ، ونحمد الله على أن المغرب غني بذوي النيات الحسنة ، ويزخر بالمحسنين والمتظوعين الذين يسخرون أنفسهم عن طواعية ودون إكراه أو ضغوط خارجية لمساعدة ومؤازرة الآخرين .
وخير مثال شاهدته خلال الأيام القليلة الأخيرة ، تلك المبادرة التطوعية التي أقدم عليها ساكنة جماعة المشور فاس الجديد ، بإيعاز من أحد منتخبيها ، المهوس بالعمل التطوعي ، والذي إعتاد الإسهام في خدمة محيطه ، وتحسين أحوال مجتمعه ، وتدعيم التكامل بين أهله، وتأكيد اللمسة الحانية بينهم ، لتحقيق متطلبات التنمية والتقدم ، التي يدعو إليها جلالة الملك المنصور بالله ،  رغما عما يواجهه عمله التطوعي من معوقات كثيرة ومتنوعة ، شأنه في ذلك شأن كافة أعمال الإنسان الصالحة، وعلى رأسها تدني ثقافة التطوع بشكل كبير في مجتمعنا ، وعدم الوعي الكافي ، بل والجهل التام لأفراده بأهمية التطوع والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها ،والعزوفه عن الإنخراط فيه ، ظنا من الكثير بأنه تسلية ومضيعة للوقت ، وأنهم غير ملزمين به ، وهذا كله مقدور عليها ، لكن غير المقدور عليه ، والذي يشكل حجر عثرة أمام أي عمل تطوعي تنموي من أي نوع كان ، هو البيروقراطية التي تتعارض وطبيعة التطوع ، وتقتل العمل المجاني الخالص لوجه الله الذي يعتمد البذل المالي أو العيني أو البدني أو الفكري الذي يقدمه الإنسان المتطوعون بلا مقابل ، والذي لا يسعيون من ورائه لتحقيق أي استفادة شخصية ، غير المسهامة في خدمة الوطن ، بتدعيم وتكميل عمل الجهات الرسمية ، التي تعرقل ، مع الأسف ، بعض موظفيها –وخاصة موظفي الجماعات – ظنا منهم بأن العمل التطوعي يهدد وظيفتهم، ومرتبتهم ، أو يشعرهم بأنه يفضح تكاسلهم وقاعسهم عن أداء واجبهم على الوجه الأكمل نحو المواطن .

ولازدهار العمل التطوعي في بلادنا ، وإزالة حالة الإحباط والتوجس والخوف السائد بينهما في اللعبة التطوعية ، لابد من بناء أسس صحيحة واخلاقية كفيلة بخلق التوازن بين القطاع التطوعي والقطاع الحكومي ، الذي لن يتأتى إلا بتفهّم شروط التطوع ، والحرص خلال التعامل معه ، على البعد عن العصبية والتشنج الاستفزازي ، وعدم الالتفات للمعارك الهامشية ، واعتماد الحوار والتواصل ، وتجنب الانجرار إلى ما ينصبه الخصوم من مصائد ومكائد ، ولا بأس من تشجيع المؤسسات الرسمية للعمل التطوعي ، وتكريم المتطوعين ، لأن التكريم يخلق التقارب والتآلف والمودة بين الطرفين ،,بما يُشعر به المُكرم من الأهمية والتعاطف ، ويولد لديه الثقة العالية بنفسه ، ويدفع به للإبداع والتميز والجودة والإتقان ، كما هو دأب البلدان المتقدمة التي تحترم نفسها وتقدر مواطنيها، وتحرص على الاحتفاء والاهتمام بكل أشكال التطوع الذي يستحق الاحتفاء ، طبعا ،  ولو بطرق رمزية ..