بقلم الأستاذ حميد طولست
العمل التطوعي مطلب من متطلبات الحياة المعاصرة التي أتت بالتنمية
والتطور السريع في كافة المجالات ، ويعد حجم الانخراط فيه رمزاً من رموز تقدم
الأمم ورقيها ، الذي كلما زاد إلا وازداد معه انخراط مواطنيها في العمل التطوعي
الفاعل الذي تمليه الأوضاع والظروف الجديدة للحياة الاجتماعية وتطور الظروف
المعاشية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والتقنية المتسارعة ، التي
تقف الحكومات ، أحياناً كثيرة ، عاجزة عن مجاراتها ، والتي أثبتت التجارب أن بعض أجهزتها لا
تستطيع تحقيق كافة خطط ومشاريع التنمية دون المشاركة التطوعية الفعالة للمواطنين
وجمعياتهم الأهلية التي تسهم في عمليات التنمية ، نظراً لمرونتها وسرعة اتخاذ
القرار فيها ، ما جعل الكثير من الدول المتقدمة تعتمد عليها ، في منظومة رائعة من التحالف
والتكاتف بين القطاع الحكومي والقطاع الجمعوي ، لحل الكثير من المشاكل
، والعديد من الظروف الطارئة ، الأمر الذي ودفع بدول أخرى ، إلى جعل التطوع
إلزاميا ، لمواجهة الطلب المتزايد على الخدمات الاجتماعية نوعاً
وكماً. وفتفرضه -كما هو حال
كسويسرا مثلاً - على الذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية ممن هم في سن
20-60 سنة ، لما في العمل التطوعي من رفع لمستوى الخدمات وتوسيعها ، ولأن أداء المتطوع أفضل بكثير من أداء
الموظف والعامل المدفوعي الأجر .
فما أحوجنا إلى مثل هذا القرار لتوفير الخدمات ، التي يصعب ، في
الكثير من الأحيان، على العديد من الإدارات الرسمية توفيرها للمواطنين – تهاونا ، أو
تقصيرا ، أو تملصا ، أو لظروف فوق طاقتها – ما جعل المشاكل تتزايد متشكلة تحدياً
صارخا للجهات الحكومية المسؤولة على توفيرها ، وأصبح الوضع يتطلب وجود جهات مساندة
لها، ويستدعي تضافر كافة جهود المجتمع المدني و الهيئات التطوعية الشعبية به ،
ونحمد الله على أن المغرب غني بذوي النيات الحسنة ، ويزخر بالمحسنين والمتظوعين
الذين يسخرون أنفسهم عن طواعية ودون إكراه أو ضغوط خارجية لمساعدة ومؤازرة الآخرين
.
وخير مثال شاهدته خلال الأيام القليلة الأخيرة ، تلك المبادرة
التطوعية التي أقدم عليها ساكنة جماعة المشور فاس الجديد ، بإيعاز من أحد منتخبيها
، المهوس بالعمل التطوعي ، والذي إعتاد الإسهام في خدمة محيطه ، وتحسين أحوال
مجتمعه ، وتدعيم التكامل بين أهله، وتأكيد اللمسة الحانية بينهم ، لتحقيق متطلبات
التنمية والتقدم ، التي يدعو إليها جلالة الملك المنصور بالله ، رغما عما يواجهه عمله التطوعي من
معوقات كثيرة ومتنوعة ، شأنه في ذلك شأن كافة أعمال الإنسان الصالحة، وعلى رأسها
تدني ثقافة التطوع بشكل كبير في مجتمعنا ، وعدم الوعي الكافي ، بل والجهل التام
لأفراده بأهمية التطوع والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها ،والعزوفه عن الإنخراط فيه
، ظنا من الكثير بأنه تسلية ومضيعة للوقت ، وأنهم غير ملزمين به ، وهذا كله مقدور
عليها ، لكن غير المقدور عليه ، والذي يشكل حجر عثرة أمام أي عمل تطوعي تنموي من
أي نوع كان ، هو البيروقراطية التي تتعارض وطبيعة التطوع ، وتقتل العمل المجاني
الخالص لوجه الله الذي يعتمد البذل المالي أو العيني أو البدني أو الفكري الذي
يقدمه الإنسان المتطوعون بلا مقابل ، والذي لا يسعيون من ورائه لتحقيق أي استفادة
شخصية ، غير المسهامة في خدمة الوطن ، بتدعيم وتكميل عمل الجهات الرسمية ، التي
تعرقل ، مع الأسف ، بعض موظفيها –وخاصة موظفي الجماعات – ظنا منهم بأن العمل
التطوعي يهدد وظيفتهم، ومرتبتهم ، أو يشعرهم بأنه يفضح تكاسلهم وقاعسهم عن أداء
واجبهم على الوجه الأكمل نحو المواطن .
ولازدهار العمل التطوعي في بلادنا ، وإزالة حالة الإحباط والتوجس
والخوف السائد بينهما في اللعبة التطوعية ، لابد من بناء أسس صحيحة واخلاقية كفيلة بخلق التوازن بين القطاع التطوعي
والقطاع الحكومي ، الذي لن يتأتى إلا بتفهّم شروط التطوع ، والحرص خلال التعامل
معه ، على البعد عن العصبية والتشنج الاستفزازي ، وعدم الالتفات للمعارك الهامشية
، واعتماد الحوار والتواصل ، وتجنب الانجرار إلى ما ينصبه الخصوم من مصائد ومكائد
، ولا بأس من تشجيع المؤسسات الرسمية للعمل التطوعي ، وتكريم المتطوعين ، لأن
التكريم يخلق التقارب والتآلف والمودة بين الطرفين ،,بما يُشعر به المُكرم من
الأهمية والتعاطف ، ويولد لديه الثقة العالية بنفسه ، ويدفع به للإبداع والتميز
والجودة والإتقان ، كما هو دأب البلدان المتقدمة التي تحترم نفسها وتقدر مواطنيها، وتحرص على الاحتفاء
والاهتمام بكل أشكال التطوع الذي يستحق الاحتفاء ، طبعا ، ولو
بطرق رمزية ..