adsense

/www.alqalamlhor.com

2016/03/27 - 2:21 م


رغم غزو  وسائط التواصل لكل البيوت واستحواذها على وقت اكبر للناس، واحتكارها لانشغالات الأجيال القادمة من المجتمع، لازالت الحلقة كوسيلة للفرجة، وتحقيق المتعة بالمسرح الشعبي العام داخل الفضاءات المفتوحة، تحظى باهتمام بالغ من قبل شرائح متعددة، يقبلون عليها باستمرار ودون انقطاع، يبحثون فيها عن معاني الجمال و التماهي الجماعي.
ساحات كثيرة على امتداد ربوع المغرب لازالت تعرف استمرار هذا الفن الشعبي بامتياز، ترتادها شرائح مختلفة من المجتمع لكل غايته، برع فيها العديد من الفنانيين وتحاكت بهم الأجيال بل إنها اعتبرت من قبل الباحثين في الأدب الشعبي مدرسة مستقلة بذاتها، تخرج منها العديد من رواد المسرح، ومنها استوحى فنانون عالميون ومحليون قصصا لأفلامهم، و حكايات لأشعارهم و أغانيهم.
جامع الفنا، الهديم، بوجلود أشهر الساحات، منها من لازال يحافظ على طابعه ومنها من بدا يفقد بالتدريج هذه الخصوصية التي ميزته على امتداد السنين، السبب الرئيسي يكمن في عدم إنتاج الموارد البشرية التي يمكن أن تحافظ على الحلقة، والفن الشعبي، لاعتبارات عدة يتداخل فيها الاجتماعي بالاقتصادي، فحين يهيمن منطق الربح السريع و المريح، و تغيب الضمانات الكافية لحياة كريمة في كل مراحل الحياة، تنعدم الثقة في عمل انتهى بأصحابه المطاف بدون مأوى ولا معيل، لان امتهان الحلقة يقتضي بالضرورة التجوال و التنقل من مكان لأخر، مما يعني عدم الاستقرار الذي يعتبر شرطا لتكوين أسرة.
هو حال ''العيار'' آخر ''الحكاواتيين'' بمدينة فاس، صادفته جريدة القلم الحر بساحة بوجلود بفاس، وهو يحاول في كبرياء تام أن يحافظ على تاريخه المشرق داخل الساحة التي خبر دروبها وأسرارها، رغم اثر الزمن فيها، لكن جسده الهزيل و ضمور صوته لم يسعفاه في ذلك، نفخ في نايه القصبي المزدوج، ثم دق على دفه و قام بحركاته الاعتيادية لجلب الجمهور لكنه لم يفلح في استمالة الناس الذين فضلوا حلقة ''المسييح'' على حلقته، لان الخير لازال شابا و يستطيع بلسانه الحاد وحركاته البهلوانية وحديثه الغير منقطع و الجذاب يجدب زوار الساحة، زاده مرارة شباب متهور، يتغامز عليه فيحسسه بالعجز الذي حل به.
بالأمس كانت حلقيته، تجذب المئات من الناس من مختلف الأعمار، يأتون إلى الساحة قبله، ليتمكنوا من اخذ مكان قريب منه، ليستمتعوا بالحكاية التي بدأها منذ أسابيع، ولم ينهيها بعد، بل وتركها في مفترق طرق صعب و مشوق يجعل المتتبع مضطر للعودة إلى الساحة لاستكمال باقي الحكاية، فقد اليوم القدرة على الإثارة التي اكتسبها بالتجربة و الممارسة على يد رواد سبقوه إلى الفرجة بالساحات العمومية بالمدن الكبرى و أسواق البوادي، بعدما لم تعد كومة العظام التي تشكل ذاته قادرة على تقمص ادوار الماضي، فقط كبريائه من يكابر من اجل الاستمرار في الحياة.
رواد الحلقة يحتاجون إلى عناية من طرف الجهات المسؤولة على التراث الثقافي الشعبي بكل أشكاله عبر توفير شروط  البقاء للمارسين، لضمان استمرارهم، و العناية بمن تبقى منهم.